ليس بكائن (إطباق الأمة من عهد النبوة على هذه الكلمة) وهي قولهم : («ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن» (١) ، فانعقد إجماع السلف على قولنا).
(و) لنا : (قوله تعالى : (أَنْ لَوْ يَشاءُ اللهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعاً) (سورة الرعد : ٣١)) أي : لكنه شاء هداية بعض وإضلال بعض كما دل عليه قوله تعالى : (وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) (سورة الإنسان : ٣٠) والآية الآتية تلوها ، وقوله تعالى : (فَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ) (سورة الأنعام : ١٤٩) وقوله تعالى : ((وَلَوْ شِئْنا لَآتَيْنا كُلَّ نَفْسٍ هُداها) (سورة السجدة : ١٣)) وقوله تعالى : ((وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) (سورة الإنسان : ٣٠) و) هم (قد شاءوا المعاصي) وفاقا (فكانت بمشيئته) تعالى (بهذا النص) النافي لأن يشاءوا شيئا إلّا أن يشاءه سبحانه.
وقوله تعالى : (فَمَنْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً) (سورة الأنعام : ١٢٥) ، فإن هذه الآية الشريفة مصرحة بتعلق إرادته بالهداية والإضلال.
وقوله تعالى : (وَلا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كانَ اللهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ) (سورة هود : ٣٤).
(ولهم) أي : للمعتزلة عن استدلالنا بهذه الآيات (أجوبة ليست لازمة) لنا لفسادها ، وعمدتهم القصوى منها : حمل المشيئة في هذه الآيات ونظائرها على مشيئة القسر والإلجاء ، وليس بشيء ؛ لأنه خلاف الظاهر ، وتقييد للمطلق من غير دلالة عليه ، على أنهم قد تحيروا في تفسير مشيئة القسر والإلجاء فاضطربوا فيه.
وقوله : (ولأن) عطف على مقدر دل الكلام السابق على معناه ، أي : ما ادعيناه من تعلق الإرادة بكل كائن حق ، للآيات السابقة ، ولدليل عقلي وهو أن (المعاصي لو كانت واقعة على وفق إرادة عدو الله إبليس ، وهي) كما لا يخفى (أكثر من الطاعات الجارية على مراد الله جل ذكره ، لزم رد ملك الجبار ذي الجلال والإكرام إلى رتبة لا يرضى بمثلها زعيم قرية ،) متكفل بأمر أهلها (ويستنكف) ذلك الزعيم (عنها ، وهو) أي : الرتبة ، وتذكير الضمير باعتبار ما بعده ، وهو : (أن يستمر) أي : يدوم مطردا (في محل مملكته وولايته وقوع مراد
__________________
(١) جزء منه حديث رواه أبو داود في الأدب رقم ٤٩٨٠ عن حذيفة بلفظ : «لا تقولوا : ما شاء الله وشاء فلان ، ولكن قولوا : ما شاء الله ثم شاء فلان» ، وروى أيضا حديث : «لا قوة إلا بالله ما شاء الله كان» في الأدب برقم ١٠١.