الصور الثلاث (لا يقع) عليه الطلاق (١).
وقوله : (بناه) استئناف ؛ كأن سائلا قال : على ما ذا بنى أبو حنيفة ما روي عنه؟ فأجيب بأنه بناه (على إدخال معنى الطلب والميل في مفهوم الإرادة ، والمرضيّ والمحبوب) كل منهما (مطلوب) بل هما أولى بدخول الطلب في مفهومهما ، (ومنه يقال لطالب الكلأ رائد) فالطلب داخل في مفهومه.
وهذا التوجيه لما روي عن أبي حنيفة رحمهالله لا ينافي القول بأن كلّا من الرضا والمحبة إرادة خاصة (و) ما دل عليه هذا النقل من أبي حنيفة من الفرق بين المشيئة والإرادة (هو أيضا خلاف ما عليه الأكثر) أي : أكثر أهل السنة ، (وسيعود الكلام إليه) في محله من هذا الأصل.
ولم يتعرض المصنف لجواب استدلالهم بقوله تعالى : (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (٥٦)) (سورة الذاريات : ٥٦) ، وقد أجيب عنه : بمنع دلالة لام الغرض على كون ما بعدها مرادا ، بل معنى الآية : إلا لنأمرهم بالعبادة ، ولئن سلم فلا نسلم عموم الآية للقطع بخروج من مات على الصبي والجنون ، والعام إذا دخله التخصيص صار عند المعتزلة مجملا في بقية أفراده (٢) ؛ فلا يصلح دليلا عندهم ، فليخرج من مات على الكفر كما يدل عليه قوله تعالى : (وَلَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ) (سورة الأعراف : ١٧٩).
والتحقيق : أن الحصر في الآية إضافي ، والمقصود به أنه خلقهم لعبادته ، لا ليعود إليه منهم نفع ، كما دل عليه قوله تعالى : (ما أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَما أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ (٥٧)) (سورة الذاريات : ٥٧) ، وليس حصرا حقيقيا كما فهموه.
(وأجيب عن قولهم) أي : المعتزلة (إنّ إرادة الظلم من العبد ثم عقابه عليه
__________________
(١) انظر : الروضة ، للنووي ، ٨ / ١٥٧ ، ومواهب الجليل ، للحطاب ، ٤ / ٤٤ ، والنصوص فيهما مقاربة للمعاني التي أوردها المصنف.
(٢) العام الذي يدخله التخصيص : العام هو اللفظ المستغرق جميع ما يصلح له دفعة بوضع واحد من غير حصر ، والخاص : إخراج بعض ما كان داخلا تحت العموم على تقدير عدم المخصص ، والمخصصات متصلة ومنفصلة. والأصل أن العام باق على عمومه ، ومذهب جمهور العلماء أن للعام إثبات الحكم في جميع ما يتناوله ، أما دلالته فإذا كان عاما مطلقا لم تصحبه قرينة تنفي احتمال تخصيصه اختلف في دلالته على جميع أفراده أهي قطعية أم ظنية ، والأكثر على أنها ظنية فتفيد وجوب العمل دون الاعتقاد ، أما المعتزلة فإن العام عندهم إن دخله التخصيص صار مجملا في بقية أفراده ، فلا يحتج به.