حتى يكون على أحسن النظام وأكمل الانتظام ، وهو المسمى عندهم بالعناية التي هي مبدأ لفيضان الموجودات من حيث جملتها على أحسن الوجوه وأكملها ، والقدر عبارة عن خروجها إلى الوجود العيني بأسبابها على الوجه الذي تقرر في القضاء.
قلنا : رجع القضاء إلى العلم على الوجه الذي قلناه من طريق الأشاعرة أيضا ، وهو مغاير لطريق الفلاسفة المذكورة ((١) فرجعه إلى العلم عند الأشاعرة على منوال رجعه إلى الإرادة المذكورة (٢)) في «شرح المواقف» ؛ بأن يقال : القضاء عبارة عن علمه تعالى أزلا بوجود الأشياء على ما هي عليه فيما لا يزال ، وقدره إيجاده إياها على وجه يطابق تعلق العلم بها. كما قيل في رجع القضاء إلى الإرادة أنه إرادته تعالى الأزلية إلى آخر ما نقلناه عن «شرح المواقف» (٣).
(وقد ذكرنا ما فيه مغنى) أي : غنية (في ظهور أن لا أثر للعلم ، وهذا) أمر نذكره سوى ما قدمناه (يزيدك وضوحا) وهو : (أنك لو كنت حاسبا) لسير الشمس والقمر (فعلمت من طريق الحساب قبل يوم كذا أن يوم كذا) المذكور (يكون كسوفا) أي : يوم كسوف ، حذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه (فلما جاء يوم كذا ووقع) ذلك (الكسوف) الذي كنت علمته (هل تظن أن علمك السابق هو الذي أثّر في وجوده) لا سبيل إلى أن تظن ذلك ، (كذلك ما يقع على وفق العلم القديم) لا يؤثر العلم في وجوده ، (إنما يقع بكسب العبد مختارا فيه ، وغاية الأمر أن الله جلّ وعلا له كمال العلم ، فكان علمه محيطا بكل ما يكون أنه سيكون ، وذلك لا يسلب الفاعلين اختيارهم) المخلوق لهم (عند الفعل ، وعزمهم) المصمم (عليه) الذي هو محل قدرتهم ، (فلا يبطل التكليف).
(ومن جعل القضاء وجود جميع المخلوقات في اللوح المحفوظ مجملة ، والقدر وجودها) أي : المخلوقات (في جميع (٤) الأعيان مفصلة) (٥).
(من شارحي «الطوالع») للقاضي البيضاوي (٦) ، لا يخلو إما أن يريد بوجودها في اللوح المحفوظ الوجود في الكتابة ، أو يريد به العلم :
__________________
(١ ـ ٢) سقط من (ط).
(٣) انظر : شرح المواقف ، ٨ / ١٨٠.
(٤) ليست في (ط).
(٥) انظر : مطالع الأنظار شرح طوالع الأنوار ، للأصفهاني ، ص ٤.
(٦) انظر : المرجع السابق.