ناصر الدين البيضاوي (عن سؤال اليهودي المنظوم) ، وهو سؤال نظمه بعض المعتزلة على لسان يهودي ، ويقال إن الذي نظمه هو ابن البققي (١) بموحدة وقافين أولاهما مفتوحة ، وهو الذي قتل على الزندقة في ولاية شيخ الإسلام ابن دقيق العيد ، وذلك (حيث قال) الناظم المذكور :
(أيا علماءَ الدين ذِمِّيُ دينِكم |
|
تحيَّرَ دُلُّوه (٢) بأوضح حُجَّةِ |
إذا ما قضى ربي بكُفرِي بزعمكم |
|
ولم يرضَه منِّي فما وجهُ حيلتي) |
(فأجاب) عن هذا السؤال علماء ذلك العصر نظما ونثرا ، ومنهم التستري أجاب (نظما ، إلى أن قال) في جوابه :
(فمعنى قضاء الله بالكفر علمه |
|
بعلم قديم سرّ ما في الجلية (٣) |
(وإظهاره من بعد ذاك مطابقا |
|
لإدراكه بالقدرة الأزلية) |
(وصدّر) التستري (حاصله) أي حاصل جوابه النظم (نثرا ؛ بأن قال : معنى قضاء الله) تعالى (بكفر الكافر أنه تعالى علم بالأشياء إلى آخر ما هو حاصل البيتين) (٤). ولكن ينبغي أن تعلم أن البيت الأول منهما تفسير لمعنى القضاء ، والثاني منهما تفسير لمعنى القدر :
فمعنى قضائه تعالى علمه الأشياء أزلا بعلمه القديم ، وأما معنى القدر فهو إظهاره أي إيجاده تعالى بقدرته الأزلية ، ما تعلق علمه بوجوده على الوجه المطابق ، لتعلق العلم بوجوده
فإن قيل : رجع القضاء إلى العلم طريق الفلاسفة وأما الأشاعرة فطريقهم رجع القضاء إلى الإرادة والقدر إلى الخلق ، كما قرره السيد في «شرح المواقف» فقال : اعلم أن قضاء الله تعالى عند الأشاعرة هو إرادته الأزلية المتعلقة بالأشياء على ما هي عليه فيما لا يزال وقدره إيجاده إياها على قدر مخصوص وتقدير معين في ذواتها وأحوالها.
وأما عند الفلاسفة فالقضاء عبارة عن علمه بما ينبغي أن يكون عليه الوجود
__________________
(١) ابن البققي : أحمد بن محمد بن فتح الدين الحموي ، برع في علوم عدة ، وثبت عليه الاستخفاف بالشرع فضربت عنقه في ولاية ابن دقيق العيد. الوافي بالوفيات ، ٨ / ١٥٨.
(٢) انظر : اليواقيت والجواهر ، ١ / ١٤٥.
(٣) انظر : المرجع السابق.
(٤) انظر : المرجع السابق.