«قدرنا» من قول الملائكة ، والقدر بمعنى الخلق أو بمعنى الحكم لا يصح إسناده إليهم حقيقة ((وَقَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ فِي الْكِتابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيراً) الآية (سورة الإسراء : ٤)) أي : أعلمناهم ، (وَقَضَيْنا إِلَيْهِ ذلِكَ الْأَمْرَ) أي : أعلمنا لوطا ، (أَنَّ دابِرَ هؤُلاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ) (سورة الحجر : ٦٦) ، وعدي ب «إلى» لتضمنه معنى «أوحينا».
وقد غيّر المصنف الأسلوب حيث لم يقل : «وإما الإعلام» وأتى ب «قد» التقليلية للإشارة إلى أن ورود القضاء والقدر مرادا بهما الإعلام قليل بالنسبة إلى ورودهما مرادا بهما الخلق أو العلم (١).
(والأوجه) أي : الأظهر توجيها (أنه) أي : القضاء (يرجع إلى) صفة (العلم لا) إلى صفة (الكلام ، إلا إن صح فيه أعني في المفعول معصية معنى الجبر) بأن يصح أن يراد بلفظ القضاء المتعلق به أن وقوعه معصية خبر ؛ وهو نوع من الكلام النفسي (وكذا الإعلام) إذا كان هو المراد بالقضاء (يرجع إليه) أي : إلى الكلام ، (إذ إنما يكون) الإعلام (عنه) أي : ناشئا عن الكلام النفسي ، والجار أعني «الباء» في قوله : (ويرجع) متعلق بقوله : «أجاب» ، و «الرجع» مصدر بمعنى الرد ، أي : ويرد معنى (القضاء إلى) صفة (العلم).
(أجاب) العلامة بدر الدين محمد بن أسعد (التستري) (٢) تلميذ القاضي
__________________
(١) في معاني القضاء والقدر ، أورد الماتريدي أن لفظ «قضى» على ثلاثة أوجه :
١ ـ أن لفظ قضى يعني أعلم وأخبر.
٢ ـ وقد يرد لفظ» قضى» بمعنى أمر ، لقوله تعالى (وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ) وهذا المعنى لا يجوز أن يضاف إلى الله إلا في الخيرات.
٣ ـ المعنى الثالث : «قضى» فرغ كقوله تعالى : (فَلَمَّا قَضى مُوسَى الْأَجَلَ) ، وهذا المعنى لا يجوز أن يضاف إلى الله ؛ لإضافة الشغل له أو فراغ له منه إلا على مجاز اللغة في انقضاء ما خلق ، أما القدر ، فيرد على معنيين : أ ـ الحد الذي عليه يخرج الشيء ، وهو جعل كل شيء على ما هو عليه من خير أو شر ، من حسن أو قبح ، أو حكمة أو سفه : مثل قوله تعالى : (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ). ب ـ بيان ما عليه يقع كل شيء من زمان ومكان ، وحق وباطل ، وما له من الثواب والعقاب ؛ وفي هذا المعنى قوله تعالى : (وَقَدَّرْنا فِيهَا السَّيْرَ). انظر : التوحيد ، ص ٣٠٥.
(٢) التستري : بدر الدين محمد بن أحمد ، كان فقيها وإمام زمانه في الأصلين والمنطق والحكمة ، له مؤلفات كثيرة منها «شرح ابن الحاجب» و «الطوالع» و «المطالع» ، توفي سنة ٧٣٠ ه بهمذان. طبقات الشافعية ، ١ / ١٥٤.