علونا تلعة إلا بقضاء وقدر» فقال الشيخ : عند الله أحتسب خطئي ، ما أرى لي من أجر شيئا. فقال له : «مه أيها الشيخ ، عظم الله أجركم في مسيركم وأنتم سائرون وفي منصرفكم وأنتم منصرفون ، ولم تكونوا في شيء من حالاتكم مكرهين ولا إليها مضطرين» ، فقال الشيخ : كيف والقضاء والقدر ساقانا؟ فقال : «(ويحك ، لعلك ظننت قضاء لازما وقدرا حتما ، لو كان كذلك لبطل الثواب والعقاب) والوعد والوعيد والأمر والنهي ، ولم تأت لائمة من الله لمذنب ولا محمدة (١) لمحسن» والقصة بكمالها في «شرح المقاصد» (٢).
(بل المراد به) أي : بالقضاء والقدر (إما الخلق) أي : خلق الفعل المقدّر المقضيّ (فلا يسلبه) أي : فلا يسلب ذلك الخلق العبد (عزمه) المصمم (وكسبه) الذي قدمنا أنه محل قدرته. والعطف في قوله : «وكسبه» تفسيري. (إذ لا ينفي خلق الأعمال) أي : إيجاد الله تعالى إياها (ذلك) العزم المصمم الذي هو محل قدرة العبد. وقوله : (وإما الحكم) قسيم لقوله : «إما الخلق» ـ بكسر الهمزة فيهما ـ أي : أو المراد بالقضاء والقدر حكم الله تعالى بوقوع ذلك الفعل (كما فسره الإمام علي رضي الله عنه لذلك الشيخ) في بقية القصة ، ففيها : إن الشيخ قال لعلي رضي الله عنه : وما القضاء والقدر اللذان ما سرنا إلا بهما؟ فقال : «هو الأمر من الله والحكم» ثم تلا قوله تعالى : (وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ) (سورة الإسراء : ٢٣)».
(وهو) أي : الحكم (إما أن يرجع إلى صفة الكلام) ويكون العطف في قول سيدنا علي : «والحكم» تفسيريا يفسر قوله ، إذ الأمر كلام نفسي (أو) يرجع إلى صفة (العلم ، ولا تأثير للكلام ولا للعلم) في إيجاد الأعمال ، بل تعلق الكلام تعلق طلب ونحوه ، وتعلق العلم تعلق كشف ولا يتعلق شيء منهما تعلق تأثير كما لا يخفى ، وإذا لم يكن تعلّقهما تعلق تأثير (فأحرى أن لا يسلبا ذلك) العزم ، أي : فبسبب كون الكلام والعلم لا تأثير لهما ، وكون الخلق يتعلق تعلق التأثير كانا أحق من الخلق بأن لا يسلبا ذلك العزم والكسب الذي هو محل قدرة العبد.
وقوله : (والإعلام) بكسر الهمزة (أيضا قد يراد به) أي : بالقضاء والقدر (نحو : (قَدَّرْنا إِنَّها لَمِنَ الْغابِرِينَ) (سورة الحجر : ٦٠)) أي : أعلمنا بذلك ، لأن
__________________
(١) الحديث رواه أيضا أبو بكر الهذلي عن عكرمة ، انظر : كنز العمال ؛ ١ / ٣٤٤ ، رقم ١٥٦٠.
(٢) انظر : شرح المقاصد ، ٤ / ٢٦٨.