«وتقتضي الوجود» (كذلك ،) أي : كما أن في مفهوم الإرادة طلبا ؛ لأن الاقتضاء الطلب ، وأصله : طلب قضاء الدين ، ثم استعمل لمطلق الطلب ، فيلزم كون صفة الإرادة هي صفة الكلام (وليس كذلك) أي : ليس كما يتوهم ، (فإن الاقتضاء في تعريفه) أي : تعريف من عرف الإرادة بأنها صفة تنافي العجز ... الخ (منسوب إلى الصفة ، وليس ذلك) الاقتضاء المنسوب إلى الصفة (كلاما) إنما هو بمعنى الاستلزام (يقال : اقتضى هذا المعنى كذا ، أي : استلزم لعلّية) أي : لكون ذلك المعنى علة واللازم معلولا (أو لا) لعلية ، كالتلازم بين الشرط والمشروط في جانب العدم ، بحيث يلزم من عدم الشرط عدم المشروط ، حيث يقال : عدم الشرط يقتضي عدم المشروط ، (بخلاف ما إذا نسب) الاقتضاء (إليه تعالى) فإنه بمعنى طلبه تعالى الفعل أو الكف فيكون كلاما ، (وإذا جعل) الاقتضاء (جزء مفهوم) صفة (الإرادة كان منسوبا إليه تعالى ، فتكون) إرادته هي (كلامه) تعالى ، وقد علمت أن الإرادة صفة مغايرة للكلام كما مر آنفا ، (بخلاف ما إذا جعل) الوجود (مقتضاها) أي : مقتضى الإرادة ، بمعنى أنها تستلزمه ، فإذا تعلقت الإرادة بوجود شيء لزم أن يوجد ، بأن تتعلق القدرة بوجوده وفق تعلق الإرادة ، (ثم المراد من هذا الاقتضاء ما بينّاه) فيما مر (في كلمة : «ما شاء الله كان» من أنها) أي : المشيئة وهي مرادفة الإرادة (تستلزم الوجود) أي : وجود ما تعلقت به (إذ كانت تؤثر تخصيصه) أي : تخصيص ذلك الوجود بوقته الذي وقع فيه دون ما قبله وما بعده من الأوقات.
وهاهنا تنبيه : على أمر مهم تضمنه قوله : (ومما ذكرنا) أي : في الأصل الثاني من أن محل قدرة العبد هو عزمه المصمم عقب خلق الداعية والميل والاختيار (يبطل احتجاج كثير من الفساق بالقضاء والقدر لفسقهم) متعلق بقوله : «احتجاج» أي : يظهر بطلان احتجاجهم على ما صدر منهم من الفسق ، حيث يقولون : «إنه بقضاء الله وقدره لم يكن بقدرتنا» (إذ ليس القضاء والقدر مما يسلب قدرة العزم) أي : قدرتهم عليه (عند خلق الاختيار) لهم ، (فيكون) بسبب سلب قدرة العزم (جبرا ليصح الاحتجاج) من الفاسق (به على ما أوقع نفسه فيه) من الفسق ، بل هو الجاني بإيجاده ذلك العزم المصمم عند خلق الميل والاختيار (كما قال علي رضي الله عنه لذلك الشيخ) الذي سأله.
روى الأصبغ بن نباتة أن شيخا قام إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه بعد انصرافه من صفين فقال : أخبرنا عن مسيرنا إلى الشام أكان بقضاء الله تعالى وقدره؟ فقال : «والذي فلق الحبة وبرأ النسمة ما وطئنا موطئا ولا هبطنا واديا ولا