يتخلف النظر عنه ، ومستند حكم العقل فيه اطراد العادة (١) ، ولا يخفى أنه ليس المراد بالنيران فيما مر نيران الآخرة ؛ لأنها وراء الموت لا دونه ؛ ولأنها لم تثبت عند المخاطبين بعد ، بل المراد بها وبالموت تعظيم ما وراءهم وتهويله لا الموت الحقيقي.
(وقد يقال :) في الاعتراض على هذا التقرير (مجرد التجويز المذكور) أي : تجويز العقل صدق ما يقول النبي (ليس ملزوما عقليا للنظر ولا استحثاث الطبع) ملزوما عقليا للنظر أيضا لا بمجرده ولا مع التجويز المذكور (بل قد لا ينساق) المكلف (إليه) أي : إلى النظر (بغلبة) أي : بسبب غلبة (الشهوة) على استحثاث الطبع (مع قوة النفس) المانعة عن الانقياد (و) مع (سهوها) عن النظر في العواقب ، (ويعود المحذور) وهو لزوم الإفحام ، هذا تمام الاعتراض. وحاصله : منع الملازمة.
ومن تأمل ما قررناه من أن مستند حكم العقل باللزوم اطراد العادة لم يخف عليه أن هذا المنع مكابرة ؛ لأن مجرد التجويز العقلي لا يقدح في العلم باللزوم المستند ذلك العلم إلى العادة كما قرره المصنف في الأصل العاشر من الركن الأول (٢).
(وقد يجاب :) عن تمسكهم بلزوم الإفحام (بل مقتضى ما ذكرتم) من التمسك هو (وجوب النظر المستلزم لوجوب الإيمان عند دعوة النبي) إليه ، (وبه نقول ، وهو لا يفيد وجوبه) أي : النظر على المكلف (بلا دعوة) من النبي له ، (ولا إخبار أحد له) أي : للمكلف بما يجب الإيمان به ، (وهو) أي : وجوب النظر مطلقا دون دعوة ولا إخبار أحد (مطلوبكم) وجرّ قوله : «المستلزم» نعتا ل «النظر» أولى من رفعه نعتا ل «وجوب» من قوله : «وجوب النظر».
وحاصله : أن ما أفاده دليلكم محل وفاق بيننا وبينكم ، ولم يفد مطلوبكم الذي هو محل النزاع (والحاصل) من الكلام في دفع الاعتراض بلزوم الإفحام (أن
__________________
(١) اطراد العادة : هو الرباط العقلي الذي يجعل السبب أمرا لا مندوحة عن وقوعه إذا ما وقع سببه ، ويكون الاطراد على ثلاثة أنواع : ١ ـ اطراد في الظواهر الطبيعية. ٢ ـ اطراد في المجالات اللفظية ، كالاطراد في الحقيقة والمجاز. ٣ ـ الاطراد الحكمي وهو استيعاب الحكم لكافة الأفراد ، كما هو بالنسبة إلى القوانين الوضعية والأحكام التشريعية.
(٢) ص ٧٩.