كل الوجوبات تثبت ابتداء جبرا بحكم المالكية) أي : مالكيته تعالى المقتضية لاستحقاق امتثال الأمر والنهي ، دون أمر يتوقف عليه الوجوبات ، بل هي متعلقة أزلا بمتعلقاتها من أفعال العباد دون ترتيب ، إذ الترتيب ينافي الأزلية ، (ولكن يتوقف تعلقها) أي : تعلق الوجوبات التنجيزي (١) (على فهم الخطاب) أي : المخاطبة (بالإبلاغ) أي : إبلاغ العباد أن الله تعالى أوجب عليهم كذا وكذا ، (وقد تحقق) أي : ثبت (كل ذلك) أي : كل من الوجوب والتعلق والفهم (في حق من أخبره بذلك) الإيجاب (مخبر لانتفاء الغفلة) عنه (بذلك) الإخبار (غير أن هذا التعلق) يعني تعلق الوجوبات بالمكلفين تنجيزا ؛ قد يكون تعلقا بالواجب الذي هو النظر في دليل صدق المبلّغ في دعواه النبوة ؛ وقد يكون تعلقا بغير ذلك النظر من الواجبات (٢).
فأما تعلق الوجوب (في غير الواجب) أي : بالنسبة إلى غير الواجب (الذي هو النظر في دليل صدق المبلغ في دعواه النبوة من الواجبات) فإنه (يتحقق) أي : يثبت (بعد ثبوت صدقه) أي : المبلغ (في دعوى النبوة) فقوله : «من الواجبات» بيان لغير الواجب المذكور ، وقوله : «يتحقق» خبر «لأن».
(وأما) تعلق الوجوب (فيه) أي : في النظر في المعجزة (نفسه) باعتباره (٣) (فبمجرد الإخبار به) أي : بذلك الوجوب (لا يعذر) المخاطب بالخبر (في عدم الالتفات إليه بعد ما جمع له من الإبلاغ وآلة الفهم وهو العقل المجوّز لما) أي : لصدق ما (ادعاه) الخبر (لأنه) أي : عدم الالتفات إليه بعد ما جمع من الأمرين (جري على خلاف مقتضى نعمة العقل) فإن مقتضاها استعمالها في جلب ما ينفع ودفع ما يضر ، (فلا يعذر فيه) أي : في عدم الالتفات المذكور.
ولحجة الإسلام في كتابه «الاقتصاد» (٤) كلام موضح لهذا المحل ملخصه : أن الوجوب معناه رجحان الفعل على الترك لدفع ضرر في الترك موهوم أو معلوم ،
__________________
(١) تعلق الوجوب التنجيزي : هو تعلق الإرادة القديمة بحسب الأوقات المعينة ، وهناك التعلق الصلوحي وهو تعلق الإرادة القديمة وتجددها وقت الحدوث ، وهو ما يعبر عنه بتعلق التكوين الأزلي المعبر عنه بالاختيار.
(٢) وأمثلته التعلق ببقية الأحكام : فالتعلق بالندب كالاقتداء بالمبلغ في بعض أحواله ، وقد يكون تعلقا بالحرام كالإعراض عن المبلغ ، وهكذا في باقي الأحكام.
(٣) في (ط) : بانتباه.
(٤) انظر : الاقتصاد في الاعتقاد ، ص ٢١٢.