الخارقة من حيث اقترانها بدعواه (بيانا لصدقه فيما يدّعيه عن الله تعالى ،) من أنه أرسله ليدعو الناس إلى الهدى ودين الحق ، (ولا نعني بالمعجزة إلا ذلك) أي : الإتيان بأمر خارق للعادة يقصد به بيان (١) صدق من ادعى أنه رسول الله.
(ووجه دلالتها) أي : المعجزة على الصدق (أنها لمّا كانت مما يعجز عنه الخلق لم تكن إلا فعلا لله) سبحانه.
فإن قيل : المعجزة قد تكون من قبيل الترك دون الفعل ، كما إذا قال الرسول : معجزتي أن أضع يدي على رأسي وأنتم لا تقدرون على ذلك ، ففعل وعجزوا ، فإنه معجز دال على صدقه كما في «المواقف» و «غيره» (٢).
قلنا : قد جرى المصنف على أن كفهم عن ذلك فعل لله سبحانه لا عدم فعل منه سبحانه ، كما يقال : هو عدم تمكينهم فهو غير خارج عن الفعل
وإذ قد تقرر أن المعجزة ليست إلا فعلا لله تعالى (٣) (فمهما) ((٤) أي : ذلك الجعل (٤)) (جعلها) الرسول (بيّنه) أي : دلالة واضحة (على صدقه فيما ينقل عن الله) تعالى (وهو) أي : ذلك الجعل (معنى التحدي) فإن جهة جعله دليل صدقه طلب المعارضة بالمثل متهم ؛ لأن أصل معنى التحدي طلب المباراة في الحداء بالإبل ، ثم توسع فيه فأطلق على طلب المعارضة بالمثل في أي أمر كان ، فإذا ادعى النبوة وجعل المعجزة بينة صدقه ، بأن قال : آية صدقي أن يوجد الله تعالى لي كذا مما تعجزون عنه (فأوجده الله) تعالى موافقا لقوله ، (كان ذلك) الإيجاد على وفق ما قال (تصديقا له من الله تعالى).
وقد تبع المصنف حجة الإسلام في إيراد مثل مشهور في كتب القوم بشأن الرسول ومرسله سبحانه في تصديقه إياه بإيجاد المعجزة على وفق دعواه فقال : (وذلك) التصديق للرسول بإيجاد الخارق على وفق دعوى النبوة (كالقائم) أي : كتصديق القائم (بين يدي الملك) من ملوك الدنيا حال كون ذلك القائم (مقبلا على
__________________
(١) ليست في (م).
(٢) انظر : المواقف ، ص ٣٣٩.
(٣) المعتزلة كذلك ذهبوا إلى أن المعجزة من فعل الله ، بناء على أنها من خوارق العادات ولا قدرة للعبد على ذلك ، ولكن بعض الأشاعرة أجاز أن تكون بعض المعجزات ليست فعلا لله وإنما داخلة في إطار القدرة الإلهية كما سبق أورد المصنف المثال الذي يتحدى به النبي صلىاللهعليهوسلم بوضع يده على رأسه. فالمعجزة عند الأشاعرة فعل وقول وترك موافقة للفلاسفة.
(٤) سقط من (ط).