السهم ، أي : المسافة التي يقطعها إذا رمي به ، أي : المراماة (١) ، لينظر ، أي غلوة أبعد مسافة ، أو من الغلاء ضد الرخص ، بأن ينادي على السلعة فيمن يزيد فيحاول كل أخذها بأغلى مما دفع صاحبه ، ثم توسع بإطلاقه على كل مبالغة فيها مغالبة.
(معبوداتهم حظوظ النفس) كما قال تعالى : (أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ) (سورة الفرقان : ٤٣) وفي قوله : «معبوداتهم ... الخ» مبالغة في التشبيه ، فالتركيب على المختار تشبيه بليغ ، وعلى رأي : استعارة.
وقد حاز صلىاللهعليهوسلم هذه المناقب العظيمة مع أنه (لم يؤثر) أي : لم ينقل (عنه أنه خرج عنهم إلى حبر) أي : عالم (من أهل الكتاب تردد إليه) ليتعلم منه (ولا) إلى (حكيم عوّل عليه) ليتهذب به ، (بل استمر بين أظهرهم إلى أن ظهر بمظهر علم واسع وحكمة بالغة) ذلك المظهر هو ذاته الشريفة ، إذ هي موضع ظهور العلم والحكمة ، ففي الكلام شبه التجريد ، (مع مقامه) صلىاللهعليهوسلم (على أمّيّته لا يكتب ولا يقرأ) وذلك أبهر لشأنه وأظهر لبرهانه ، (وأخبر) صلىاللهعليهوسلم (عن مغيبات ماضية) من أخبار قرون سالفة (و) أحوال (أمم خالية ، لا يطلع عليها إلا من مارس الكتب واختلف إلى أفراد يشار إليهم في ذلك الزمان) بالعلم ، (لندرة سعة المعرفة في أولئك الكائنين من أهل الكتاب مع ضنة أحدهم) أي : بخله (باليسير الكائن عنده) من ذلك ، فلا يسمح بتعليم شيء منه لأحد ، بل قد كان أهل الكتاب كثيرا ما يسأله الواحد أو العدد منهم عن شيء فينزل عليه من القرآن ما يبين ذلك ، كقصة موسى والخضر ، ويوسف وإخوته ، وأصحاب الكهف ، ولقمان وابنه ، وأشباه ذلك ، وما في التوراة والإنجيل والزبور وصحف إبراهيم وموسى مما صدقه فيه العلماء بها ، ولم يقدروا على تكذيبه (٢).
(و) أخبر صلىاللهعليهوسلم (عن أمور مستقبلة) فوقعت كما أخبر (مثل قوله تعالى) في الروم لما غلبتهم فارس : (الم (١) غُلِبَتِ الرُّومُ (٢) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (٣) فِي بِضْعِ سِنِينَ) (سورة الروم : ١ ـ ٢)) ، وقوله : (لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللهُ آمِنِينَ) (سورة الفتح : ٢٧) ، وقوله : (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ
__________________
(١) انظر : مختار الصحاح ، للرازي ، ص ٤٨٠.
(٢) وهذا مما ورد في القرآن الكريم.