يوم مبايعته فقال بعد أن حمد الله وصلّى على رسوله : «أما بعد ؛ أيها الناس إن الذي رأيتم مني لم يكن حرصا على ولايتكم ، ولكن خفت الفتنة والاختلاف ، وقد رددت أمركم إليكم ، فولوا من شئتم» ، فقالوا : «لا نقيلك» (١).
(وهذا) أي : ما ذكرناه من الإشارة بتقديمه لإمامة الصلاة في مرض الموت إلى الأحقية بالخلافة هو (لأن المقصود من نصب الإمامة) وحذف الهاء ((٢) من لفظ «الإمامة» (٢)) أولى ، (بالذات) والقصد الأول (إقامة أمر الدين) أي : جعله قائم الشعائر على الوجه المأمور به من إخلاص الطاعات وإحياء السنن وإماتة البدع ، ليتوفر العباد على طاعة المولى سبحانه ، (و) أما (النظر في أمور الدنيا وتدبيرها) لاستيفاء الأموال من وجوهها وإيصالها لمستحقيها ودفع الظلم ونحوها فمقصود ثانيا ؛ لأنه (إنما هو ليتفرغ) بالبناء للمفعول ، أي : ليتفرغ العباد (لذلك) أي : لأمر الدين ، فإن أمور المعاش إذا انتظمت فلم يعد أحد على أحد ، وأمن كل على نفسه وماله ، ووصل كل ذي حق في بيت المال أو غيره إلى حقه ، تفرغ الناس لأمر دينهم ، فقاموا بوظائف العبادات المطلوبة منهم ، (فإذا) بالتنوين ، أي : فإذا كان المقصود من نصب الإمام أولا بالذات أمر الدين فقد (رضيه) أي : رضي صلىاللهعليهوسلم الصديق رضي الله عنه (لأمر الدين) وهو الإمامة العظمى ، بتقديمه لإمامة الصلاة على الوجه المذكور ، فتقديمه صلىاللهعليهوسلم إياه في الخلافة ، وتقديم الصحابة له لذلك.
وقوله : (مع العلم) متعلق بقوله : «رضيه» أي : فقد رضيه لأمر الدين رضى مصحوبا بالعلم منه صلىاللهعليهوسلم ومنهم ، (بشجاعته) أي : بشجاعة الصدّيق رضي الله عنه (وثباته دائما) ، وهما الوصفان الأهمان في أمر الإمامة ، لا سيما في ذلك الوقت المحتاج فيه إلى قتال أهل الردة وغيرهم من الكفار ، (و) يدل على اتصافه بهما قوله وفعله ، (لقد قال لعروة بن مسعود) الثقفي في صلح الحديبية ، كما في الصحيح ، (حين قال) عروة (لرسول الله صلىاللهعليهوسلم : كأني بك وقد فرّ عنك هؤلاء :
«امصص بظر اللات ، أنحن نفر عنه (٣)؟!» (٤)) وندعه (استبعاد أن يقع ذلك ،
__________________
(١) انظر : جامع الأصول ، ٤ / ٤٨١ ، رقم ٢٠٧٨.
(٢) سقط من (م).
(٣) ليست في (م).
(٤) الحديث أخرجه البخاري في كتاب الشروط ، باب الشروط في الجهاد والمصالحة مع أهل الحرب ، رقم ٢٧٣١ ـ ٢٧٣٢.