وقتاله) بالرفع على أنه مبتدأ ، حذف خبره للعلم به من معنى الكلام وسياقه ، أي : وقتاله (مانعي الزكاة) ... الخ : دليل شجاعته ، (و) قتاله (مسيلمة مع بني حنيفة ، و) الحال أنه (قد وصفهم الله) تعالى (بأنهم أولو بأس شديد في قوله تعالى : (قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرابِ سَتُدْعَوْنَ إِلى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ) (سورة الفتح : ١٦) (كما هو قول جماعة من المفسرين) في تفسير الآية ؛ منهم الزهري والكلبي (١). ولو عبر بقوله : «وقاتل مانعي الزكاة ومسيلمة» بدل قوله : «وقتاله» لأفاد المقصود مع الوضوح.
(وثباته) بالرفع مبتدأ خبره : «كما كان» أي : وثباته (عند مصادمة المصائب المدهشة) التي تقتضي لعظمها أن يذهل الحليم عند مصادمتها ويغيب عنه رأيه (كما كان) أي : مثل ثباته الذي كان (منه حين دهش الناس ، لما خرج إليهم موت النبي صلىاللهعليهوسلم) أي : خبر موته (فذهلوا ، وجزم عمر رضي الله عنه) وهو من هو في الثبات (أنه عليه) الصلاة و (السلام لم يمت ، وقال) رضي الله عنه : (من قال ذلك) أي أن النبي صلىاللهعليهوسلم مات (ضربت عنقه ، حتى قدم أبو بكر من السنح) بضم السين المهملة وسكون النون وبحاء مهملة : موضع معروف في عوالي المدينة ، (فدخل الحجرة الكريمة ،) فكشف عن وجهه الشريف صلىاللهعليهوسلم ، فعرف أنه قد مات ، فأكب عليه يقبله (ثم خرج) إلى الناس ، (فاستسكت عمر) رضي الله عنهما ، أي : طلب منه أن يسكت ليتكلم هو ، (فأبى) عمر رضي الله عنه (أن يسكت) لما هو فيه من الدهش ، (فتركه) أبو بكر (وتكلم ، فانحاز الناس إليه) لعلمهم بعلو شأنه (فخطبهم وقال) في خطبته : (أما بعد ، فمن كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات ، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت ، ثم تلا قوله تعالى : (وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ* أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ) (سورة آل عمران : ١٤٤) الآية) إلى قوله : (الشَّاكِرِينَ) (سورة آل عمران : ١٤٤) (فآمن الناس) أي : صدقوا بوفاة النبي صلىاللهعليهوسلم حين قال أبو بكر ما قال وتلا عليهم الآية ، (وخرجوا يلهجون بتلاوتها) أي : يكررونها ، (كأنهم لم يسمعوها قبل ذلك) لعظم ما حصل لهم من الذهول عند سماع خبر وفاته صلىاللهعليهوسلم ، ومعنى ذلك كله وارد في الصحيح (٢).
__________________
(١) انظر : تفسير الطبري ، جامع البيان ، ١٣ / ٨٣.
(٢) جزء من حديث طويل أخرجه البخاري في فضائل الصحابة ، باب : لو كنت متخذا خليلا ، رقم ٣٤٦٧.