وما ذكر المصنف أنه ظاهر قول أبي حنيفة جزم بحكايته عنه الحاكم (١) صاحب «المختصر» في كتاب «المنتقى» (٢) وهو المعتمد ، (وإن روي عن أبي حنيفة) رحمهالله ما ظاهره خلافه من (أنه قال لجهم :) هو ابن صفوان رأس الفرقة المعروفة بالجهمية (أخرج عني يا كافر) فليس تكفير الجهم (حملا) لقول أبي حنيفة : «يا كافر» (على التشبيه) لجهم بالكافر ، بجامع المخالفة في أصل من أصول العقائد ، وإن اختلف الأصلان في العلم من الدين ضرورة.
(وهو) أي : القول بعدم تكفير أحد من المخالفين المذكورين (مختار) الشيخ أبي بكر (الرازي) ونقله عن الكرخي (٣) وغيره من أئمتهم.
(ولكنه) أي : المخالف فيما ذكر (يبدع) بمخالفته (ويفسق) أيضا (في بعضها) أي : يحكم بأنه مبتدع لإحداثه ما لم يقل به السلف من الصحابة وتابعيهم ، وبأنه فاسق ببعض مخالفاته ؛ كأن يقام عليه البرهان فيصير لاحتمال دليل فيحكم بفسقه ، (بناء على وجوب إصابة الحق فيها) أي : في مواضع الاختلاف في أصول الدين (عينا ، وعدم تسويغ الاجتهاد في مقابلته (٤)) أي : في مقابلة ما هو الحق عينا ، (بخلاف الفروع التي لم يجمع عليها) فإن الاجتهاد فيها سائغ ، وإن قلنا بالمرجح إن الحق فيها معين والمصيب فيها واحد.
(وهاهنا تفاصيل) لما قيل بالتكفير بالمخالفة فيه (واختلافات) في مسائل منه (لا تليق بهذا المختصر) لطولها ؛ ومنها :
أن المعتزلة أنكروا إيجاد الباري تعالى فعل العبد ، فجعله بعضهم كالجبّائية غير قادر على عينه ، وجعله بعضهم غير قادر على مثله ، كالبلخي (٥) وأتباعه ، وجعلوا العبد قادرا على فعله ، فهو إثبات للشريك كقول المجوس. فالإيمان والكفر عندهم من فعل العبد لا من فعل الرب سبحانه ، وهو خرق لإجماع متقدمي الأمة على الابتهال إلى الرب تعالى أن يرزقهم الإيمان ويجنبهم الكفر ، والجواب عنه مسطور في المطولات. وبالله التوفيق.
__________________
(١) الحاكم الشهيد سبقت ترجمته في ص ١٣١.
(٢) المنتقى كتاب مفقود.
(٣) الكرخي : عبيد الله بن الحسن الكرخي ، فقيه حنفي. توفي سنة ٣٤٠ ه ، الأعلام ، ٤ / ٣٤٧.
أبو بكر الرازي : أحمد بن علي الرازي ، أبو بكر الجصاص ، من أهل الري ، انتهت إليه رئاسة الحنفية في بغداد ، توفي سنة (٣٧٠ ه) ، (الجواهر المضيئة ، ١ / ٨٤).
(٤) في (م) : مقابلة.
(٥) البلخي : هو الكعبي الذي سبقت ترجمته في ص ٨٩.