وأما على الثالث فهو أن الحديث غير ثابت ، ولو ثبت لكان آحادا لا يفيد علما ، فلا يكفر منكره ، أو يقال : المراد بالمخلوق المختلق ، أي المفترى وليس محل نزاع لأن قائله كافر قطعا.
(وذهب الأستاذ أبو إسحاق الأسفرايني إلى تكفير من كفّرنا منهم) أي : اعتقد كفرنا دون من لم يكفرنا (أخذا بقوله عليه الصلاة والسلام) فيما رواه الشيخان («من قال لأخيه يا كافر فقد باء) أي : رجع (به) أي : بالكفر (أحدهما») وفي لفظ لهما : «إذا قال الرجل لأخيه يا كافر فقد باء بها» ، أي : بصفة الكفر ، «أحدهما ، إن كان كما قال وإلا رجعت عليه» (١).
قال الإمام أبو الفتح القشيري في شرح «العمدة» في اللعان : كأنه ـ يعني : الأستاذ ـ يقول الحديث دل على أنه يحصل الكفر لأحد الشخصين ، إما المكفّر أو المكفّر ، فإذا كفرني بعض الناس فالكفر واقع بأحدنا ، وأنا قاطع بأني لست بكافر فالكفر راجع إليه (٢). اه.
(وقيل :) إنما يكفر المخالف في عقيدة (إذا خالف إجماع السلف) على تلك العقيدة ، (وظاهر قولي الشافعي وأبي حنيفة) رحمهماالله تعالى (أنه لا يكفر أحد منهم) أي : لا يحكم بكفر أحد من المخالفين ، فيما ليس من الأصول المعلومة من الدين ضرورة ، وهذا هو المنقول عن جمهور المتكلمين والفقهاء ، فإن الشيخ أبا الحسن الأشعري قال في أول كتاب «مقالات الإسلاميين» : اختلف المسلمون بعد نبيهم عليه الصلاة والسلام في أشياء ، ضلل بعضهم بعضا وتبرأ بعضهم عن بعض ، فصاروا فرقا متباينين ، إلا أن الإسلام يجمعهم ويعمهم (٣). اه.
وقال الإمام الشافعي رضي الله عنه : أقبل شهادة أهل الأهواء ، إلا الخطابية (٤) ؛ لأنهم يشهدون بالزور لموافقيهم (٥).
__________________
(١) الحديث أخرجه البخاري في كتاب الأدب باب من أكفر أخاه بغير تأويل ، رقم ٥٧٥٢ ، وأخرجه مسلم في الإيمان برقم ٦٠ بلفظ : «أيما رجل قال ...».
(٢) شرح العمدة ، لأبي الفتح القشيري وهو ابن دقيق العيد ، ٤ / ٧٧.
(٣) مقالات الإسلاميين ، ص ١.
(٤) الخطابية : نسبة إلى أبي الخطاب الأسدي ، المكنى أبو إسماعيل ، واسمه محمد بن أبي زينب ، كان مولى لبني أسد. فرقة من فرق الشيعة وقد انقسمت إلى خمس فرق. ومن أقوالهم : إن الأئمة كانوا آلهة. وإن أولاد الحسن والحسين كانوا أبناء الله وأحباؤه. (الملل والنحل ، ص ١٧٩).
(٥) الأم ، ٦ / ٢٠٥ و ٨ / ٣١٠.