كالتفسير ، أي : من الأصول المعلومة من الدين ضرورة (يكفر المخالف فيه) أي : يحكم بكفره بمخالفته فيه ، (كالقول بقدم العالم ، ونفي حشر الأجساد ، ونفي العلم) أي : علمه تعالى (بالجزئيات ،) وكلها من ضلالات الفلاسفة ، (ومن هذا المهيع) أي : الطريق الواضح البين في تكفير من قال به (إثبات الإيجاب) بالذات (١) الذي هو نفي الفعل بالاختيار والمشيئة (لنفيه) أي : القائل به ، وهم الفلاسفة الضلال ، (اختاره) سبحانه ، وعدم الاختيار نقص ، (تعالى) الله (عما يقول الجاهلون علوا كبيرا).
(وما ليس من ذلك) أي : من الأصول المعلومة من الدين ضرورة ، وما في قوله : «وما ليس من ذلك» مبتدأ خبره قوله : (كنفي مبادئ الصفات) مع إثباتها كقول المعتزلة : عالم قادر ونحوهما ، فإنهم أثبتوا هذه الصفات مع نفيهم مباديها التي هي العلم والقدرة ونحوهما ، (و) نفي (عموم الإرادة) لكل كائن من خير وشر ، كما تقول المعتزلة إن الشر غير مراد الله تعالى ، (والقول بخلق القرآن) كما يقولونه أيضا.
(فذهب جماعة) تفصيل لاجمال قوله : «وقد اختلف في تكفير المخالفين فيما ليس من ضروريات الدين» ببيان أن جماعة من أهل السنة ذهبوا (إلى تكفيرهم) بذلك لأن نافي مبادئ الصفات وعموم الإرادة جاهل بالله والجاهل بالله كافر ، والقائل بخلق القرآن قد نطق الحديث بأنه كافر ، وهو ما روي أنه صلىاللهعليهوسلم قال : «من قال : القرآن مخلوق فهو كافر» (٢).
والجواب من طرف القائلين بعدم التكفير ، وهو المختار الآتي ذكره : أما على الأول والثاني فهو أن الجهل بالله من بعض الوجوه ليس بكفر ، وليس أحد من أهل القبلة يجهله (٣) تعالى إلا كذلك ، فإنهم على اختلاف مذاهبهم اعترفوا بأنه تعالى قديم أزلي عالم قادر خالق السموات والأرض.
__________________
(١) الإيجاب بالذات : الإيجاب لغة الإثبات ، واصطلاحا عند المتكلمين : صرف الممكن من الإمكان إلى الوجوب. والفلاسفة متفقون على أن مبدأ العالم موجب بالذات ، ومرادهم أنه قادر على أن يفعل ويصح منه الترك إلا أنه لا يترك البتة ، ولا ينفك عن ذاته الفعل ، لا لاقتضاء ذاته إياه ، بل لاقتضاء الحكمة إيجاده ، فكان فاعلا بالمشيئة والاختيار.
(٢) الحديث أخرجه ابن عدي في «الكامل في الضعفاء» ١ / ٢٠٣ ، وفي إسناده أحمد بن محمد بن حرب ؛ كذاب وضاع.
(٣) في (م) : يجهل.