الاختصاص بالجهة اختصاصه بحيّز هو كذا) أي : معين من الأحياز (قد بطل اختصاصه بالحيّز لبطلان الجوهرية والجسمية) في حقه تعالى ، إذ الحيّز (١) مختص بالجوهر والجسم ، وقد مر تنزيهه عنهما سبحانه ، وأما العرض فلا اختصاص له بالحيّز إلا بواسطة كونه حالّا في الجوهر ، فهو تابع لاختصاص الجوهر ، فبطلان الجوهرية والجسميّة كاف في بطلانه ، (فإن أريد بالجهة) معنى (غير هذا مما ليس فيه حلول حيّز ولا جسمية فليبين) أي : فليبينه من أراده (حتى ينظر فيه أيرجع إلى التنزيه) عما لا يليق بجلال الباري سبحانه (فيخطّأ) من أراده (في مجرد التعبير) عنه بالجهة ، لإيهامه ما لا يليق ، ولعدم وروده في اللغة (أو) يرجع (إلى غيره) أي : غير التنزيه (فيبين فساده) لقائله وغيره صونا عن الضلالة ، والله ولي التوفيق.
فإن قيل : فما بال الأيدي ترفع إلى السماء وهي جهة العلو؟ أجيب : بأن السماء قبلة الدعاء تستقبل بالأيدي كما أن البيت قبلة الصلاة تستقبل بالصدر والوجه ، والمعبود بالصلاة والمقصود بالدعاء منزّه عن الحلول بالبيت والسماء ، وقد ذكر حجة الاسلام في «الاقتصاد» (٢) سر الإشارة بالدعاء إلى السماء على وجه فيه طول فليراجعه من أراده.
__________________
(١) الحيز : هو الإطار الذي يشغله الجوهر أو الجسم في الفراغ ، فكل مكان مملوء بحيز من الفراغ ، وقد أنكر الفلاسفة ما قاله المتكلمون ، وقالوا بامتناع الفراغ ، ومثّلوا له : بما لو كانت زجاجة مملوءة بالماء وكان أسفلها ثقب صغير وأمسكنا على فمها لوقف الماء ولم يتحرك ، وإذا فتحنا فم الزجاجة خرج الماء من الثقب ، وما ذاك إلا لأن المحل ممتلئ بالمشاغل ولو كان خاليا لنزل الماء.
(٢) انظر : الاقتصاد في الاعتقاد ، ص ٧٨ ، والسر المشار إليه هو : أن نجاة العبد متوقفة على تواضعه لله في نفسه بعقله وقلبه ، ولما كان من أعظم الأدلة على خسة ابن آدم الموجبة للتواضع لربه أنه مخلوق من تراب ، فكلف أن يضع وجهه على التراب ، ومع التواضع يأتي التعظيم لله باشتراك جوارح العبد ، وتعظيم الجوارح يتحقق بالإشارة إلى جهة العلو ، كما جرى في المجاورات عند الكلام على علو رتبة أمره في السماء السابعة ، وهو إنما ينبه على علو الرتبة.