الركن الثالث (١) ، (فيلزمه) أي : يلزم ما ذكر من المنضم والمنضم إليه (علمه بكل جزئيّ) خلافا للفلاسفة في قولهم : إنه تعالى يعلم الكليات ، وإنه إنما يعلم الجزئيات على وجه كلي لا على الوجه الجزئي (٢) ، وهو باطل ؛ إذ كيف يوجد ما لا يعلمه ، وقد أرشد إلى هذا الطريق قوله تعالى : (أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ) ((٣) (وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) (٣)) (سورة الملك : ١٤) ، وسنبين معنى صفة العلم في حقه تعالى ، وهاهنا تنبيهات ثلاثة :
أحدها : أن في قوله : «وهو مشاهد منها كمال الإحسان» تنبيها على أن حكمنا بأنها كذلك هو بحسب ما نشاهده بأبصارنا وبصائرنا ، بأن تدركه عقولنا وتصل إليه أفهامنا حتى نقضي بأنه غاية الإحسان عندنا ، لا بمعنى أنه لا يمكن في مقدورات الباري تعالى ما هو أبدع منها كما هو طريق الفلاسفة ؛ لأن العقيدة أن كلا من مقدوراته تعالى ومعلوماته لا تتناهى ؛ كما صرّح به حجة الإسلام في العقيدة المعروفة ب «ترجمة عقيدة أهل السنة والجماعة» من كتاب «الإحياء» (٤) ، وتكرر في «الإحياء» فما وقع في بعض كتب «الإحياء» ك «كتاب التوكل» (٥) مما يدل على خلاف ذلك فإنه ؛ والله أعلم ؛ صدر عن ذهول عن ابتنائه على طريق الفلاسفة ، وقد أنكره الأئمة في عصر حجة الإسلام وبعده ، ونقل إنكاره عن الأئمة الحافظ الذهبيّ في «تاريخ الإسلام» (٦).
__________________
(١) انظر : ص ١١٩.
(٢) علم الله بالجزئيات على وجه كلي : زعم الفلاسفة بداية أن الله لا يعلم إلا نفسه ، ثم جاء ابن سينا واختار أنه يعلم الأشياء علما كليا ، لا يدخل تحت الزمان ، ولا يختلف بالماضي والمستقبل والآن ، ومع هذا الزعم أقر أنه لا يعزب عن علمه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض ، وذلك لأنه يعلم الجزئيات بنوع كلي ، ومثال ذلك أن الشمس تنكسف بعد أن لم تكن منكسفة ، ثم تنجلي فتحصل لها ثلاثة أحوال :
١ ـ حال هو فيها معدوم ، منتظر الوجود ، أي سيكون.
٢ ـ وحال هو فيها موجود ، أي : هو كائن.
٣ ـ وحال ثالثة هو فيها معدوم ولكنه كان من قبل. والعلوم متعددة بهذه الأحوال ومختلفة ، وتعاقبها على المحل يوجب تغير الذات العالمة ، فلذلك لا يختلف علم الله في هذه الأحوال ، وهو علم كلي أزلي ، وقد أبطل الغزالي مذهبه.
(٣) سقط من (م).
(٤) انظر : إحياء علوم الدين ، ١ / ١٥٣.
(٥) انظر : المرجع السابق ، ٤ / ٣٣٨.
(٦) انظر : تاريخ الإسلام ، (وفيات ٥٠١ ـ ٥١٠) ، ص ١١٩ ـ ١٢٤.