مراد) ، وما زعمه جهم بن صفوان (١) وهشام بن الحكم (٢) من أن علمه تعالى بأن هذا قد وجد وذاك قد عدم حادث ، وما زعمته الكرامية من أن إرادته تعالى حادثة قائمة بذاته منهما باطل (لبطلان كونه) تعالى (محلّا للحوادث ،) وقد تقدم تقريره (٣).
(و) حدوث الإرادة باطل أيضا (للزوم افتقار الإرادة الحادثة إلى إرادة أخرى ،) وافتقار هذه الأخرى إلى ثالثة (ويتسلسل) هذا الافتقار ، (إذ لا يمكن حدوث بعض الإرادات بلا إرادة) تخصصها بخصوص وقت إيجادها ، (مع أن المقتضى لثبوت صفة الإرادة ذلك الخصوص وهو) يعني الخصوص (ملازم للحدوث) لا ينفك عنه ، لما مرّ من أنه لا بدّ لكل حادث من مخصّص له بخصوص وقت إيجاده ، (والفرض أن تلك الإرادة حادثة) بزعم الخصم فلا بد لها من إرادة تخصصها فيلزم التسلسل المحال.
(وأيضا المحوج لتجدّد العلم بتجدد المعلوم عزوب العلم) أي : ذهابه بالغفلة عنه ، (فلو فرض) عدم العزوب كأن فرض (علم بأن زيدا يقدم عند كذا) ك : عند طلوع الشمس مثلا (فلم يعزب) ذلك العلم (بل استمر بعينه إلى قدومه عند كذا) كطلوع الشمس مثلا (كان قدومه معلوما بعين ذلك العلم ، وعلم الله بالأشياء قديم فاستحال) لقدمه (عزوبه ؛ لأنه عدمه وما ثبت قدمه استحال عدمه ، لما نبين في صفة البقاء).
واعلم أنه يؤخذ من قول الشيخ أن «العلم متعلق أزلا بالتخصيص الذي أوجبته الإرادة» أن وقوع الشيء تابع لتعلق العلم أزلا بوقوعه.
فإن قيل : هذا معاكس لما اشتهر من قولهم : «إن العلم تابع للوقوع» (٤).
__________________
(١) جهم بن صفوان : السمرقندي ، أبو محرز ، من موالي بني راسب ، رأس الجهمية ، قتل سنة ١٢٨ ه. (لسان الميزان ، ٢ / ١٤٢).
(٢) هشام بن الحكم : الكوفي ، رافضي ، له نظر وجدل وتآليف كثيرة. من أصحاب جعفر الصادق ، كان شيخ الإمامية في وقته ، نشأ بواسط وسكن بغداد ، من مؤلفاته : الإمامة والقدرة ، والشيخ والغلام. (سير أعلام النبلاء ، ١ / ٥٤٣ ، فهرست الطوي ، ص / ١٧٤).
(٣) في ص ٥٣.
(٤) العلم تابع للوقوع أو المعلوم ؛ هذه القاعدة تنطبق على علم المخلوق ، يكون أولا حقيقة في ذاته ، ثم يكون علم المخلوق به بعد ذلك ، أما علم الخالق فإنه أزلي ، وتعلقه كما قال المصنف يكون أزلا بالتخصيص الذي أوجبته صفة الإرادة.