تعالى (الأحقّ بالاتصاف بهما من المخلوق ،) وإلّا لزم أن يكون للمخلوق من صفات الكمال ما ليس للخالق (وقد قال تعالى : (وَتِلْكَ حُجَّتُنا آتَيْناها إِبْراهِيمَ عَلى قَوْمِهِ) (سورة الأنعام : ٨٣) ، وقد ألزم) إبراهيم (عليه) الصلاة و (السلام أباه) آزر (الحجة بقوله :) (يا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ ما لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ) (سورة مريم : ٤٢) فأفاد أن عدمهما) أي : عدم السمع والبصر (نقص لا يليق بالمعبود).
وكان اللائق أن يحذف المصنف قوله : «من المخلوق» لأن أفعل التفضيل المقترن ب «ال» يمتنع الإتيان معه ب «من» كما تقرر في العربية.
وهل السمع والبصر صفتان زائدتان على العلم ، أو راجعتان إليه؟
ذهب الجمهور من أهل السنة إلى الأول ، وذهب فلاسفة الإسلام وأبو الحسين البصري والكعبي (١) إلى الثاني ، وهو الذي عول عليه المصنف ، ولكنه عبر بالصفة على طريق أهل السنة فقال : (واعلم أنهما) يعني صفتي السمع والبصر (ترجعان إلى صفة العلم) وليستا زائدتين عليه (لما قدّمنا) في الكلام على رؤية الباري تعالى من (أن الرؤية نوع علم ، و) نقول هنا : (السمع كذلك).
وهاهنا تحقيق وهو : أنهما وإن رجعا إلى صفة العلم بمعنى الإدراك فإثبات صفة العلم إجمالا لا يغني في العقيدة عن إثباتهما تفصيلا بلفظيهما الواردين في الكتاب والسنة ؛ لأنا متعبدون بما ورد فيهما ، وقد مرّ أن الرؤية تشتمل على مزيد إدراك ، والسمع مثلها ، وإلى هذا التحقيق يشير قول المصنف : «إن الرؤية نوع علم والسمع كذلك» ، مع قوله بعد ذلك : «سميع بسمع ، بصير بصفة تسمى بصرا» ، ففي ذلك تنبيه على أنه لا بدّ من الإيمان بهذين النوعين تفصيلا.
والأولى كما في «شرح المواقف» (٢) بناء على أنهما صفتان زائدتان على العلم أن يقال : لمّا ورد النقل بهما آمنّا بذلك ، وعرفنا أنهما لا يكونان بالآلتين المعروفتين ، واعترفنا بعدم الوقوف على حقيقتهما.
وهنا انتهى الكلام في الأصل الخامس ، وقد شرع المصنف في :
__________________
(١) الكعبي : أبو القاسم ؛ عبد الله بن أحمد بن محمود البلخي الكعبي ، من معتزلة بغداد ، أخذ عن أبي الحسن الخياط ، وانتهت إليه رئاسة المذهب. له مصنفات كثيرة ، منها في التفسير وعيون المسائل. توفي سنة ٣١٩ ه. (طبقات المعتزلة ، لابن المرتضى ، ص ٨٨).
(٢) انظر : شرح المواقف ، ٨ / ٨٧.