موسى بن عمران البتة لأن موسى صان التوراة عن بني إسرائيل ولم يبثها فيهم خوفا من اختلافهم من بعده في تأويل التوراة المؤدي إلى انقسامهم أحزابا ، وإنما سلمها إلى عشيرته أولاد لاوى ، قال : ودليل ذلك قول التوراة ما هذه ترجمته : «وكتب موسى هذه التوراة ودفعها إلى أئمة بني لاوي ، وكان بنو هارون قضاة اليهود وحكامهم ، لأن الإمامة وخدمة القرابين والبيت المقدس كانت فيهم ، ولم يبد موسى لبني إسرائيل من التوراة إلا نصف سورة ، وقال الله لموسى عن هذه السورة : «وتكون لي هذه السورة شاهدة على بني إسرائيل ولا تنسى هذه السورة من أفواه أولادهم» وأما بقية التوراة فدفعها إلى أولاد هارون وجعلها فيهم وصانها عمن سواهم ، فالأئمة الهارونيون هم الذين كانوا يعرفون التوراة ويحفظون أكثرها فقتلهم بختنصر على دم واحد ، وأحرق هيكلهم يوم استولى على بيت المقدس ، ولم تكن التوراة محفوظة على ألسنتهم ، بل كان كل واحد من الهارونيين يحفظ فصلا من التوراة ، فلما رأى عزيز أن القوم قد أحرق هيكلهم وزالت دولتهم وتفرق جمعهم ورفع كتابهم جمع من محفوظاته ومن الفصول التي يحفظها الكهنة ما لفق منه هذه التوراة التي بأيديهم ، ولذلك بالغوا في تعظيم عزير غاية المبالغة ، وقالوا فيه ما حكاه الله عنهم في كتابه ، وزعموا أن النور على الأرض إلى الآن يظهر على قبره عند بطائح العراق ، لأنه عمل لهم كتابا يحفظ دينهم ، فهذه التوراة التي بأيديهم على الحقيقة كتاب عزير وإن كان فيها أو أكثرها من التوراة التي أنزلها الله على موسى ، قال وهذا يدل على أن الذي جمع هذه الفصول التي بأيديهم رجل جاهل بصفات الرب تعالى وما ينبغي له وما لا يجوز عليه ، فلذلك نسب إلى الرب تعالى ما يتقدس ويتنزه عنه ، وهذا الرجل يعرف عند اليهود والنصارى بعازر الوراق ، ويظن بعض الناس أنه (كَالَّذِي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها قالَ أَنَّى يُحْيِي هذِهِ اللهُ بَعْدَ مَوْتِها فَأَماتَهُ اللهُ مِائَةَ عامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ) [البقرة : ٢٥٩] ، ويقول إنه نبي ولا دليل على هاتين المقدمتين ، ويجب التثبت في ذلك نفيا وإثباتا ، فإن كان هذا نبيا واسمه عزير فقد وافق صاحب التوراة في الاسم.
«وبالجملة» فنحن وكل عاقل نقطع ببراءة التوراة التي أنزلها الله على كليمه