لا دين لله غيره بين هذه الاديان الباطلة التي لا دين في الأرض غيرها أخفى من السها تحت السحاب ، وقد نظر الله الى أهل الأرض فمقتهم عربهم وعجمهم الا بقايا من أهل الكتاب ، فاطلع الله شمس الرسالة في حنادس تلك الظلم سراجا منيرا ، وأنعم بها على أهل الأرض نعمة لا يستطيعون لها شكورا ، واشرقت الأرض بنورها أكمل الاشراق ، وفاض ذلك النور حتى عم النواحي والآفاق واسق قمر الهدى اتم الاتساق ، وقام دين الله الحنيف على ساق ، فلله الحمد الذي انقذنا بمحمد صلىاللهعليهوسلم من تلك الظلمات ، وفتح لنا به باب الهدى فلا يغلق الى يوم الميقات ، وأرانا في نوره أهل الضلال وهم في ضلالهم يتخبطون ، وفي سكرتهم يعمهون وفي جهالتهم يتقلبون ، وفي ريبهم يترددون ، يؤمنون ولكن بالجبت والطاغوت يؤمنون ويعدلون ولكن بربهم يعدلون ، ويعلمون ولكن ظاهرا من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون ويسجدون ولكن للصليب والوثن والشمس يسجدون ، ويمكرون وما يمكرون الا بأنفسهم وما يشعرون (لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ) [آل عمران : ١٦٤] (كَما أَرْسَلْنا فِيكُمْ رَسُولاً مِنْكُمْ يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِنا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ ما لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ. فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ) [البقرة : ١٥١ ـ ١٥٢].
الحمد لله الذي أغنانا بشريعته التي تدعو الى الحكمة والموعظة الحسنة ، وتتضمن الامر بالعدل والاحسان ، والنهي عن الفحشاء والمنكر والبغي ، فله المنة والفضل على ما أنعم به علينا وآثرنا به على سائر الامم ، وإليه الرغبة أن يوزعنا شكر هذه النعمة ، وان يفتح لنا أبواب التوبة والمغفرة والرحمة ، فأحب الوسائل الى المحسن التوسل إليه باحسانه والاعتراف له بأن الامر كله محض فضله وامتنانه ، فله علينا النعمة السابغة كما له علينا الحجة البالغة ، نبوء له بنعمه علينا ، ونبوء بذنوبنا وخطايانا وجهلنا وظلمنا واسرافنا في أمرنا فهذه بضاعتنا التي لدينا لم تبق لنا نعمة وحقوقها وذنوبنا حسنة نرجو بها الفوز بالثواب والتخلص من أليم العقاب ، بل بعض ذلك يستنفد جميع حسناتنا ، ويستوعب كل طاعتنا هذا