ووصوا الناس بما وصيتكم به ، وكونوا معهم كما كنت معكم ، وكونوا لهم كما كنت لكم» وما زال أصحاب المسيح بعده على ذلك قريبا من ثلاثمائة سنة ثم أخذ القوم في التغيير والتبديل والتقرب إلى الناس بما يهوون ومكايدة اليهود ومناقضتهم بما فيه ترك دين المسيح والانسلاخ منه جملة.
فرأوا اليهود قد قالوا في المسيح : إنه ساحر مجنون ممخرق ولد زنية فقالوا : هو إله تام وهو ابن الله!! ورأوا اليهود يختتنون فتركوا الختان!! ورأوهم يبالغون في الطهارة فتركوها جملة!! ورأوهم يتجنبون مؤاكلة الحائض وملامستها ومخالطتها جملة فجامعوها! ورأوهم يحرمون الخنزير ، فأباحوه وجعلوه شعار دينهم ، ورأوهم يحرمون كثيرا من الذبائح والحيوان فأباحوا ما دون الفيل إلى البعوضة وقالوا : كل ما شئت ودع ما شئت لا حرج ، ورأوهم يستقبلون بيت المقدس في الصلاة فاستقبلوا هم الشرق ، ورأوهم يحرمون على الله نسخ شريعة شرعها فجوزوا هم لأساقفتهم وبتاركتهم أن ينسخوا ما شاءوا ويحللوا ما شاءوا ويحرموا ما شاءوا ، ورأوهم يحرمون السبت ويحفظونه فحرموا هم الأحد وأحلوا السبت مع إقرارهم بان المسيح كان يعظم السبت ويحفظه ، ورأوهم ينفرون من الصليب ، فإن في التوراة «ملعون من تعلق بالصليب» والنصارى تقر بهذا ، فعبدوا هم الصليب ، كما أن في التوراة تحريم الخنزير نصا فتعبدوا هم بأكله ، وفيها الأمر بالختان فتعبدوا هم بتركه مع إقرار النصارى بأن المسيح قال لاصحابه : «إنما جئتكم لاعمل بالتوراة ووصايا الأنبياء قبلي ، وما جئت ناقضا بل متمما ، ولأن تقع السماء على الأرض أيسر عند الله من أن أنقض شيئا من شريعة موسى» فذهبت النصارى تنقضها شريعة شريعة في مكايدة اليهود ومغايظتهم وانضاف إلى هذا السبب ما في كتابهم المعروف عندهم «بافركسيس» أن قوما من النصارى خرجوا من بيت المقدس وأتوا أنطاكية وغيرها من الشام فدعوا الناس إلى دين المسيح الصحيح ، فدعوهم إلى العمل بالتوراة وتحريم ذبائح من ليس من أهلها ، وإلى الختان وإقامة السبت ، وتحريم الخنزير وتحريم ما حرمته التوراة ، فشق ذلك على الأمم واستثقلوه ، فاجتمع النصارى ببيت المقدس وتشاوروا فيما يحتالون به على الأمم ليحببوهم إلى دين المسيح