وعليه يتوكلون فهو عائد إلى الله لا إلى العصا التي نبت من بيت النبوة ، وقد جمع الله سبحانه بين هذين الأصلين في قوله : (قُلْ هُوَ الرَّحْمنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنا) [الملك : ٢٩] ، وقال موسى لقومه : (يا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ) وهو كثير في القرآن ، وقد أخبر أنه أيده بروح العلم وخوف الله ، فجمع بين العلم والخشية وهما الأصلان اللذان جمع القرآن بينهما في قوله تعالى : (إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ) [فاطر : ٢٨] ، وفي قول النبي صلىاللهعليهوسلم ، : «أنا أعلمكم بالله وأشدكم له خشية» وهذا شأن العبد المحض. وأما الإله الحق ورب العالمين فلا يلحقه خوف ولا خشية ولا يعبد غيره ، والمسيح كان قائما بأوراد العبادات لله أتم القيام!!
وإن أوجبتم له الإلهية بقول شعيا : «إن غلاما ولد لنا وأننا أعطيناه كذا وكذا ، ورئاسته على عاتقيه وبين منكبيه ، ويدعى اسمه ملكا عظيما عجيبا إلها قويا مسلطا رئيسا ، قوي السلامة في كل الدهور وسلطانه كامل ليس له فناء» ، قيل لكم ليس في هذه البشارة ما يدل على أن المراد بها المسيح بوجه من الوجوه ، ولو كان المراد بها المسيح لم يدل على مطلوبهم. أما «المقام الأول» فدلالتها على محمد بن عبد الله اظهر من دلالتها على المسيح ، فإنه هو الذي رئاسته على عاتقيه وبين منكبيه من جهتين ، من جهة أن خاتم النبوة علا نغض كتفيه ، وهو من أعلام النبوة التي أخبرت به الأنبياء ، وعلامة ختم ديوانهم ، ولذلك كان في ظهوره ومن جهة أنه بعث بالسيف الذي يتقلد به على عاتقه ويرفعه إذا ضرب به على عاتقه ، ويدل عليه قوله : «رئيس مسلط قوي السلامة» وهذه صفة محمد صلىاللهعليهوسلم المؤيد المنصور رئيس السلامة ، فإن دينه الإسلام ، ومن اتبعه سلم من خزي الدنيا ومن عذاب الآخرة ومن استيلاء عدوه عليه ، والمسيح لم يسلط على أعدائه كما سلط محمد صلىاللهعليهوسلم ، بل كان أعداؤه مسلطين عليه قاهرين له حتى عملوا به ما عملوا عند المثلثة عباد الصليب. فأين مطابقة هذه الصفات للمسيح بوجه من الوجوه؟! وهي مطابقة لمحمد بن عبد الله صلىاللهعليهوسلم ، من كل وجه ، وهو الذي سلطانه كامل ليس له فناء إلى آخر الدهور. فإن قيل : إنكم لا تدعون محمدا إلها بل هو عندكم عبد محض؟ قيل نعم والله أنه لكذلك عبد محض