يدعى ملكانيا هو صاحب مقالتهم كما يقوله بعض من لا علم له بذلك ـ أن الابن الأزلي الذي هو الكلمة تجسدت من مريم تجسدا كاملا كسائر أجساد الناس ، وركبت في ذلك الجد نفسا كاملة بالعقل والمعرفة والعلم كسائر أنفس الناس ، وأنه صار إنسانا بالجسد والنفس اللذين هما من جوهر الناس ، وإلها بجوهر اللاهوت كمثل أبيه لم يزل ، وهو إنسان بجوهر الناس مثل إبراهيم وموسى وداود ، وهو شخص واحد لم يزد عدده ، وثبت له جوهر اللاهوت كما لم يزل ، وصح له جوهر الناسوت الذي لبسه ابن مريم ، وهو شخص واحد لم يزد عدده وطبيعتان ، ولكل واحد من الطبيعتين مشيئة كاملة ، فله بلاهوته مشيئة مثل الأب ، وله بناسوته مشيئة كمشيئة إبراهيم وداود. وقالوا : إن مريم ولدت «المسيح» وهو اسم يجمع اللاهوت والناسوت ، وقالوا : إن الذي مات هو الذي ولدته مريم ، وهو الذي وقع عليه الصلب والتسمير والصفع والربط وبالحبال واللاهوت لم يمت ولم يألم ولم يدفن ، قالوا وهو إله تام بجوهر لاهوته ، وإنسان تام بجوهر ناسوته ، وله المشيئتان : مشيئة اللاهوت ، ومشيئة الناسوت. فأتوا بمثل ما أتى به اليعقوبية من أن مريم ولدت الإله إلا أنهم بزعمهم نزهوا الإله عن الموت. وإذا تدبرت قولهم وجدته في الحقيقة هو قول اليعقوبية مع تنازعهم وتناقضهم فيه ، فاليعقوبية أطرد لكفرهم لفظا ومعنى ..
وأما «النسطورية» فذهبوا إلى القول بأن المسيح شخصان وطبيعتان لهما مشيئة واحدة ، وأن طبيعة اللاهوت لما وجدت بالناسوت صار لهما إرادة واحدة ، واللاهوت لا يقبل زيادة ولا نقصان ولا يمتزج بشيء ، والناسوت يقبل الزيادة والنقصان ، فكان المسيح بذلك إلها وإنسانا ، فهو الإله بجوهر اللاهوت الذي لا يقبل الزيادة والنقصان ، وهو إنسان بجوهر الناسوت الذي يقبل الزيادة والنقصان. وقالوا إن مريم ولدت المسيح بناسوته وأن اللاهوت لم يفارقه قط. وكل هذه الفرق استنكفت أن يكون المسيح عبدا لله وهو لم يستنكف من ذلك ، ورغبت به عن عبودية الله وهو لم يرغب عنها بل أعلى منازل العبودية عبودية الله ، ومحمد وإبراهيم خير منه ، وأعلى منازلهما تكميل مراتب العبودية ، فالله رضيه أن يكون له عبدا فلم ترض المثلثة بذلك.