على الإسكندرية فأقام ستة أشهر ومات ، ولما جرى على أريوس ما جرى أظهر أنه قد رجع عن مقالته فقبله هذا البترك وأدخله الكنيسة وجعله قسيسا ، ثم قام قيصر آخر فجعل يتطلب النصارى ويقتلهم حتى صب الله عليه النقمة فهلك شر هلكة.
ثم قام بعده قيصران : (أحدهما) ملك الشام وأرض الروم وبعض الشرق ، (والآخر) رومية وما جاورها ، وكانا كالسباع الضارية على النصارى فعلا بهم من القتل والسبي والجلاء ما لم يفعله بهم ملك قبله ، وملك معهما «قسطنطين» أبو قسطنطين ، وكان دينا يبغض الأصنام محبا للنصارى ، فخرج إلى ناحية الجزيرة والرها ، فنزل في قرية من قرى الرها فرأى امرأة جميلة يقال لها «هيلانة» وكانت قد تنصر على يدي اسقف الرها وتعلمت قراءة الكتب فخطبها قسطنطين من أبيها فزوجه إياها ، فحبلت منه وولدت قسطنطين فتربى بالرها ، وتعلم حكمة اليونان ، وكان جميل الوجه قليل الشر محبا للحكمة ، وكان «عليانوس» ملك الروم حينئذ رجلا فاجرا شديد البأس مبغضا للنصارى جدا ، كثير القتل فيهم ، محبا للنساء ، لم يترك للنصارى بنتا جميلة إلا أفسدها وكذلك أصحابه ، وكان النصارى في جهد جهيد معه ، فبلغه خبر قسطنطين وأنه غلام هاد قليل الشر كثير العلم ، وأخبره المنجمون والكهنة أنه سيملك ملكا عظيما فهم بقتله فهرب قسطنطين من الرها ، ووصل إلى أبيه فسلم إليه الملك ، ثم مات أبوه ، وصب الله على «عليانوس» أنواعا من البلاء حتى تعجب الناس مما ناله ورحمه أعداؤه مما حل به ، فرجع إلى نفسه وقال لعل هذا بسبب ظلم النصارى فكتب إلى جميع عماله أن يطلقوا النصارى من الحبوس ، وأن يكرموهم ويسألوهم أن يدعوا له في صلواتهم ، فوهب الله له العافية ورجع إلى أفضل ما كان عليه من الصحة والقوة ، فلما صح وقوي رجع إلى شر مما كان عليه ، وكتب إلى عماله أن يقتلوا النصارى ولا يدعوا في مملكته نصرانيا ولا يسكنوا له مدينة ولا قرية ، فكان القتلى يحملون على العجل ويرمى بهم في البحر والصحارى. وأما «قيصر الآخر» الذي كان معه فكان شديدا على النصارى ، واستعبد من كان برومية من النصارى ، ونهب أموالهم ، وقتل رجالهم ونساءهم وصبيانهم.