حاضرهم وباديهم ، الذي بشرت به الكتب السالفة ، وأخبرت به الرسل الماضية ، وجرى ذكره في الاعصار في القرى والامصار والامم الخالية ، ضربت لنبوته البشائر من عهد آدم أبي البشر ، الى عهد المسيح ابن البشر ، كلما قام رسول أخذ عليه الميثاق بالايمان به والبشارة بنبوته حتى انتهت النبوة الى كليم الرحمن ، موسى بن عمران فأذّن بنبوته على رءوس الاشهاد بين بني اسرائيل معلنا بالاذان «جاء الله من طور سيناء ، وأشرق من ساعير ، واستعلن من جبال فاران الى أن ظهر المسيح ابن مريم عبد الله ورسوله وروحه وكلمته التي ألقاها الى مريم فأذن بنبوته أذانا لم يؤذنه أحد مثله قبله ، فقام في بني اسرائيل مقام الصادق الناصح وكانوا لا يحبون الناصحين فقال : (إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ ، فَلَمَّا جاءَهُمْ بِالْبَيِّناتِ قالُوا هذا سِحْرٌ مُبِينٌ) [الصف : ٦٠] تالله لقد أذن المسيح أذانا أسمعه البادي والحاضر ، فاجابه المؤمن المصدق وقامت حجة الله على الجاحد الكافر ، الله أكبر الله أكبر عما يقول فيه المبطلون ويصفه به الكاذبون ، وينسبه إليه المفترون والجاحدون ثم قال : أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، ولا ند له ولا كفؤ له ، ولا صاحبة له ولا ولد له ، بل هو الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد ، ثم رفع صوته بالشهادة لاخيه وأولى الناس به بانه عبد الله ورسوله ، وأنه أركون (١) العالم ، وانه روح الحق الذي لا يتكلم من قبل نفسه انما يقول ما يقال له وانه يخبر الناس بكل ما أعد الله لهم ، ويسوسهم بالحق ، ويخبرهم بالغيوب ويجيئهم بالتأويل ، ويوبخ العالم على الخطيئة ، ويخلصهم من يد الشيطان ، وتستمر شريعته وسلطانه الى آخر الدهر وصرح في أذانه باسمه ونعته وصفته وسيرته حتى كأنهم ينظرون إليه عيانا ، ثم قال حي على الصلاة خلف إمام المرسلين وسيد ولد آدم اجمعين ، حي على الفلاح باتباع من السعادة في اتباعه ، والفلاح في الدخول في زمرة أشياعه ، فأذن وأقام وتولى وقال : لست أدعكم كالأيتام ، وسأعود وأصلي وراء هذا الامام ، هذا عهدي إليكم ان حفظتموه دام لكم الملك الى آخر الايام» فصلى الله عليه من ناصح
__________________
(١) الأركون الرئيس والمقدم والدهقان المعظم. يونانية.