وخيرتي ورضا نفسي ، افيض عليه روحي» أو قال : «أنزل عليه روحي ، فيظهر في الأمم عدلي ويوصي الأمم بالوصايا ، لا يضحك ، ولا يسمع صوته ، يفتح العيون العمى العور ، ويسمع الآذان الصم ، ويحيي القلوب الغلف ، وما اعطيه لا أعطي غيره ، لا يضعف ولا يغلب ، ولا يميل إلى اللهو ، ولا يسمع في الأسواق صوته ، ركن للمتواضعين ، وهو نور الله الذي لا يطفى ولا يخصم ، حتى يثبت في الأرض حجتي ، وينقطع به المعذرة» فمن وجد بهذا الوصف غير محمد ابن عبد الله صلوات الله وسلامه عليه؟ فلو اجتمع أهل الأرض لم يقدروا أن يذكروا نبيا جمع هذه الأوصاف كلها ـ وهي باقية في أمته إلى يوم القيامة ـ غيره لم يجدوا إلى ذلك سبيلا فقوله «عبدي» موافق لقوله في القرآن : (وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا) [البقرة : ٢٣] ، وقوله : (تَبارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقانَ عَلى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعالَمِينَ نَذِيراً) [الفرقان : ١] ، وقوله : (وَأَنَّهُ لَمَّا قامَ عَبْدُ اللهِ يَدْعُوهُ) [الجن : ١٩] ، وقوله : (سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً) [الإسراء : ١] ، وقوله «وخيرتي ورضا نفسي» مطابق لقوله صلىاللهعليهوسلم : «إن الله اصطفى كنانة من ولد اسماعيل ، واصطفى قريشا من كنانة ، واصطفى بني هاشم من قريش ، واصطفاني من بني هاشم» وقوله «لا يضحك» مطابق لوصفه الذي كان عليه صلىاللهعليهوسلم ؛ قالت عائشة : «ما رؤي رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، ضاحكا حتى تبدو لهواته ، إنما كان يتبسم تبسما» وهذا لأن كثرة الضحك من خفة الروح ونقصان العقل ؛ بخلاف التبسم فإنه من حسن الخلق وكمال الإدراك ، وأما صفته صلىاللهعليهوسلم ، في بعض الكتب المتقدمة بانه «الضحوك القتال» فالمراد به أنه لا يمنعه ضحكه وحسن خلقه إذا كان حدا لله وحقا له ، ولا يمنعه ذلك عن تبسمه في موضعه ، فيعطي كل حال ما يليق بتلك الحال فترك الضحك بالكلية من الكبر والتجبر وسوء الخلق ، وكثرته من الخفة والطيش ، والاعتدال بين ذلك وقوله : «أنزل عليه روحي» مطابق لقوله تعالى : (وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا) [الشورى : ٥] ، وقوله : (يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ) [النحل : ٢] ، وقوله : (يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلاقِ) [غافر : ١٥] ، فسمى الوحي روحا لأن حياة القلوب والأرواح به ، كما أن حياة الأبدان بالأرواح. وقوله «فيظهر في الأمم