أما قوله : «إن قوله تعالى : (فَاعْبُدُوهُ) يقتضي خروج معناه عن عموم قوله : (خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ) قلنا : التعارض خلاف الأصل. والوجوه التي عولوا عليها في تقرير هذا المقام ، هي إشارة إلى أنه لا يجوز من الله تعالى أن يأمر عبده بالفعل ، لا إذا كان الفعل واقعا ، بقدرة العبد. وسيأتي الجواب عنه ، عند الجواب عن شبههم العقلية.
وأما الدلائل العقلية التي ذكروها وزعموا : أنها مخصصة لهذا العموم ، فسيأتي الجواب عنها.
قوله : «لم قلتم : إن كونه تعالى موجدا لأعمال العباد ، ينفي كون العبد موجدا لها»؟ قلنا : حصل الاتفاق بيننا وبين خصومنا على أن حصول مخلوق واحد لخالقين : محال. إلا أن هذا الجواب لا يتم على قول «أبي الحسين» فإن عنده يجوز حصول مخلوق واحد بين خالقين. وأيضا : فالفعل الواقع بقدرة الله تعالى ، لو وقع هو بعينه بقدرة العبد ، كان ذلك تحصيلا للحاصل. وهو محال. والله أعلم.
الحجة الثانية : قوله تعالى : (أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ. خَلَقُوا كَخَلْقِهِ) (١) وجه الاستدلال : إن هذا استفهام بمعنى الإنكار ، فكان مقتضاه أنه لم يوجد خالق خلق كخلق الله ، ولو كان العبد خالقا لأفعاله ، لكان خلقه كخلق الله. لما ثبت أن الذي يخلقه العبد ، فالله تعالى يخلق مثل ذلك الشيء. وأيضا : فخلق الله تعالى ، لما كان إخراجا من العدم إلى الوجود ، وفعل العبد أيضا كذلك ، كان كل واحد من الفعلين شبيه الآخر ، فكان خلق العبد كخلق الله تعالى. وقد بينا : أن النص يدل على أن ذلك باطل.
فإن قيل : لا نسلم أن العبد لو كان خالقا ، لكان خلقه ، كخلق الله. وبيانه من وجوه :
الأول : إن فعل العبد. إما أن يكون طاعة ، أو معصية ، أو عبثا وفعل الله ليس كذلك.
__________________
(١) سورة الرعد ، آية : ١٦.