الثاني : إن الخلق عبارة عن التقدير ـ على ما تقدم ذكره ـ والتقدير عبارة عن إيقاع الفعل على مقدار مخصوص مطابق للغرض والمصلحة. وهذا إنما يتأتى في حق العالم ، الذي لا يجهل شيئا ، والقادر الذي لا يعجز عن شيء. أما العبد فإنه في الأكثر يقدر شيئا ، ويجيء فعله بخلاف ما قدره. وحينئذ لا يكون خلق العبد ، مثلا لخلق الله.
الثالث : إن قوله تعالى : (خَلَقُوا كَخَلْقِهِ) إنما يتناول من كان خلقه ، مساويا لكل ما كان خلقا لله تعالى. لأن قوله : (كَخَلْقِهِ) يتناول جميع مخلوقات الله تعالى. ومعلوم أن العبد ليس كذلك ، فوجب أن لا يندرج تحت النص.
وبقية الأسئلة على هذه الحجة ، كما تقدم على الحجة الأولى. والله أعلم.
والجواب عن السؤال الأول : إن الحركة عبارة عن حصول الجوهر في حيز ، بعد أن كان في حيز آخر. هذا هو المعقول من ماهية الحركة وحقيقتها. فإذا فعل العبد مثل هذا الشيء ، ثم إنه تعالى أيضا فعله مثله ، فحينئذ يكون خلق العبد مثلا لخلق الله تعالى ، على هذا التقدير.
وأما السؤال الثاني. فجوابه : إن أفعال العباد ، وإن كانت لا توجد على وفق تقديرهم على الدوام ، إلا أنها قد توجد على وفق تقديرهم في بعض الأوقات. وحينئذ يكون ذلك الخلق في تلك المرة ، مثلا لخلق الله.
وأما السؤال الثالث. فجوابه : إن قوله : (كَخَلْقِهِ) لا يوجب العموم. لأنه إشارة إلى المصور ، فيكفي في العمل به ، ثبوته في صورة واحدة. فإذا كان خلق العبد مثلا لخلق الله تعالى مرة واحدة ، وقد صدق عليه في تلك المرة أنه خلق مثل خلق الله تعالى ، فحينئذ يندرج تحت النص. والله أعلم.
الحجة الثالثة : قوله تعالى : (وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ ، أَوِ اجْهَرُوا بِهِ. إِنَّهُ عَلِيمٌ