بِذاتِ الصُّدُورِ. أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ ، وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ؟) (١) والاستدلال به من وجهين:
الأول : لا نزاع في أن المراد (بِذاتِ الصُّدُورِ) : أفعال القلوب. وهي الدواعي والصوارف والعقائد والخواطر. ثم إنه تعالى أفتى بكونه عالما بها ، بأسرها. واحتج على صحة هذه الفتوى بقوله : (أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ؟) وهذا الاحتجاج لا يصح ، إلا إذا قلنا : إنه تعالى خالق لأعمال القلوب. وكل من كان خالقا لأعمال القلوب ، كان عالما بها ، فتصير هذه الآية بهذا الطريق دالة على صحة تلك الفتوى. وعلى هذا الوجه تكون الآية دالة على كبرى هذا القياس ، وتكون الصغرى محذوفة. فلو لم نضمر هذه الصغرى ، لم يكن قوله : (أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ؟) مناسبا لتقرير ذلك المطلوب ، وحينئذ يفسد نظم كلام الله تعالى. وذلك محال.
فثبت : أنه لا بد من إضمار تلك الصغرى. وهي قولنا : إنه تعالى خالق لأعمال القلوب ، ثم نضم إليها قوله : (أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ؟) ومتى أضمرنا تلك الصغرى ، كان ذلك تصريحا بأنه تعالى خالق لأفعال القلوب.
والوجه الثاني في الاستدلال بالآية : إن قوله : (أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ؟) استفهام على سبيل الإنكار. وذلك يدل على أن كل من خلق شيئا ، فإنه يجب أن يكون عالما به. والعقل أيضا يدل على صحة هذه المقدمة. وذلك لأن وقوع ذلك المخلوق على ذلك العدد الخاص ، والمحل الخاص ، والوقت الخاص ، مع جواز وقوعه. على خلاف تلك الوجوه ، لا يكون إلا لأجل أن مخصصا خصصه به. والقصد إلى التخصيص مشروط بالعلم به. فثبت : أن الخالق للشيء يجب كونه عالما به ، لكن العبد غير عالم بتفاصيل أفعال نفسه ـ على ما قررناه في باب الدلائل العقلية ، فوجب أن لا يكون العبد خالقا لأفعال نفسه.
فإن قيل : أمّا الكلام على الوجه الأول. فهو أن نقول : إن قوله : (أَلا يَعْلَمُ؟) : فعل. وقوله : (مَنْ خَلَقَ) : يحتمل أن يكون فاعلا
__________________
(١) سورة الملك ، آية : ١٣ ـ ١٤.