لذلك الفعل. وحينئذ يجب أن يضمر المفعول. ويحتمل أن يكون مفعولا. وحينئذ يجب أن يضمر الفاعل. فعلى التقدير الأول يكون معنى الكلام : ألا يعلم من خلق مخلوقه؟ وعلى التقدير الثاني يكون معنى الكلام : ألا يعلم الله من خلق ذات الصدور؟ فلم قلتم : إن التقدير الأول : أولى؟ لأن على التقدير الثاني تكون الآية أيضا في أن خالق ذات الصدور : غير الله.
والجواب : النحويون بينوا أن تعلق الفعل بالفاعل كالشيء الضروري ، وتعلقه بالمفعول ليس كذلك. ولذلك فإن الفعل بدون الفاعل لا يوجد ، وبدون المفعول قد يوجد. وعلى التقدير الذي ذكرناه : يكون المذكور هو الضروري ، ويكون المتروك غير الضروري. وعلى التقدير الذي ذكرتم : يكون الأمر بالعكس. ولا شك أن الأول أولى. وأيضا : فقد بينا أن الاستدلال حاصل بالآية من وجهين : وعلى التقدير الذي ذكرتم يصح الوجه الثاني من الاستدلال بالآية ، وعلى التقدير الذي ذكرنا يتقرر كل واحد من الوجهين. فكان ما ذكرناه : أولى.
الحجة الرابعة : قوله تعالى : (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ) (١) وفيه قراءتان متواترتان. إحداها : بنصب كلمة (كُلَّ) والأخرى برفعها. أما القراءة بالنصب فهي دالة على قولنا. لأن تقدير الكلام : إنا خلقنا كل شيء بقدر. وهذا تنصيص منه تعالى على كونه خالقا لكل الأشياء ، وأنه إنما خلقها بتقديره وقصده.
واعلم : أنه لا يمكنهم أن يقولوا هاهنا : المراد من قوله : إنا خلقنا : التقدير. وإلّا لصار معنى الكلام : إنا قدرنا كل شيء بقدر. وأما القراءة الثانية. وهي بالرفع. ففيها سؤال. وهو أن يقال : لم لا يجوز أن يكون قوله : (كُلَّ شَيْءٍ) مبتدأ و (خَلَقْناهُ) صفة. وقوله: (بِقَدَرٍ) يكون خبرا لذلك المبتدأ الموصوف ، والتقدير : إن كل شيء مخلوق لنا ، فهو واقع بقدر. على هذا الوجه لا يلزم كونه تعالى خالقا لكل الأشياء.
__________________
(١) سورة القمر ، آية : ٤٩.