البرهان الثاني : إن العبد قصد الحق والإيمان. فلما حصل الباطل والكفر. علمنا : أن ذلك ليس منه بل من الله.
البرهان الثالث : العبد ما لم يعرف أن هذا الاعتقاد علم لا جهل ، يمكنه أن يقصد إلى إيجاد العلم بدلا عن الجهل ، وإنما يعلم كون هذا الاعتقاد علما ، إذا علم أنه مطابق للمعلوم. وإنما يعلم ذلك إذا علم حال المعلوم. وإلا فيلزم أن تكون قدرته على تحصيل العلم بالشيء مشروط بحصول العلم بذلك الشيء. وإنه محال. وهذه الدلائل قد بيناها في الباب الأول من هذا الكتاب. فلا فائدة في الإعادة.
أما الدلائل السمعية : فاعلم : أنه تعالى ذكر أنواعا من الموانع في كتابه. ونحن [نكتفي بإيراد نوع من هذه الموانع. وهو أنه تعالى قد يضل بعض المكلفين (١)].
بيان أنه تعالى قد يضل بعض المكلفين
ويدل عليه آيات :
الحجة الأولى : قوله تعالى (يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ ، وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ) واعلم : أن هذه الآية وردت في القرآن الكريم في خمس مواضع. أحدها : في سورة إبراهيم قال تعالى (وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ ، لِيُبَيِّنَ لَهُمْ. فَيُضِلُّ اللهُ مَنْ يَشاءُ ، وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ) (٢) وثانيها : في سورة الرعد (وَيَقُولُ
__________________
ـ طريقة الحسن والقبح الذاتيين فترجيح الإيمان على الكفر ، لأنه في ذاته به مميزات لا توجد في الكفر ، بسببها ، اختاره الإنسان. وإذا ما افترض أنه كيف يقع في ملك الله ما لا يريده الله؟ فإن الافتراض مدفوع بأن الله أراد في الأزل أن يترك الإنسان حرا ، وقد خلقه ومنحه الحرية ، والقدرة على أن يفعل أو لا يفعل. ولمزيد من البيان راجع مسألة إرادة الكائنات في كتاب الإرشاد للجويني.
(١) عبارة الأصل : «ونحن نفرد لكل واحد منها فصلا. الفصل الأول في بيان أنه تعالى قد يضل بعض المكلفين» وليس في الأصل إلا هذا الفصل.
(٢) سورة إبراهيم ، آية : ٤ وفي تفسير الكشاف في هذه الآية : إنها مثل قوله تعالى : (فَمِنْكُمْ كافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ) لأن الله لا يضل إلا من يعلم أنه لن يؤمن ، ولا يهدي إلا من يعلم أنه يؤمن.