مقدورة لله تعالى. إما أن يكون لهما تحقق وتعين قبل الدخول في الوجود ، أو لا يكون. والأول محال. لأنه لا معنى للمقدور إلا الذي يكون تحققه وتكونه يقع بتأثير القادر. وما كان كذلك ، كان تحققه متأخرا عن تأثير قدرة القادر ، والمتأخر عن تأثير القادر ممتنع أن يكون هو بعينه مقدما على تأثير القادر. فثبت : أن الذي هو مقدور للعبد ، والذي هو مقدور لله تعالى : لا تحقق له ، ولا تعين له ، قبل الدخول في الوجود. وما كان كذلك ، امتنع أن يقع فيه [الامتياز ، وكل ما لا امتياز فيه (١)] امتنع أن يقال : إن شيئا منه مقدور للعبد ولا لله ، وشيء آخر منه مقدور لله ولا للعبد. فثبت : أن القول بأن مقدور العبد غير مقدور الله : يفضي إلى هذين القسمين الباطلين ، فيكون باطلا بهذا الطريق.
ومعنى قول من يقول : «إن تلك المقدورات أشياء وأمور حاصلة في العدم» أنا نقول : إن بتقدير أن يتحقق في العدم [شيء (٢)] أمور متميزة. إلا أن على هذا التقدير ، يمتنع كونها مقدورة. لأن المقدور هو الذي يكون تحققه ووقوعه ، لأجل تأثير القادر [فيه(٣)] وما كان متحققا في العدم ، يمتنع أن يقال : إن تحققه وتعينه لأجل تأثير القادر فيه. فثبت : أن ما كان مقدورا ، يمتنع كونه متحققا في العدم. وهذا كلام معتقد متين في تقرير هذا المطلوب.
الحجة السادسة : إنه تعالى هو الذي أقدر العبد على الفعل. ومن أقدر غيره على شيء ، وجب أن يكون هو قادرا عليه. لأن العاجز عن الشيء ، يمتنع أن يجعل غيره قادرا عليه ، كما أن الجاهل بالشيء يمتنع أن يجعل غيره عالما بذلك الشيء.
ولما توافقنا على أن الله تعالى هو الذي أقدر العبد على الفعل (٤) وثبت : أن من أقدر غيره على فعل ، وجب أن يكون قادرا عليه : لزم القطع بكون الله تعالى قادرا على مقدور العبد.
__________________
(١) من (ط ، ل).
(٢) من (ل).
(٣) من (ط ، ل).
(٤) العبد (م ، ط).