لا يقال قوله : «مبدأ لصدور أفاعيل» بصيغة الجمع يأبى عن حمل العبارة على معنى يشمل القسم الثالث ، بل إنّه يشعر بالحمل على معنى يشمل القسمين الأوّلين فقط.
لأنّا نقول : ما فهمته مبنيّ على أنّ إيراد صيغة الجمع إنّما هو بالقياس إلى نفس واحدة ، وليس كذلك ؛ بل الظاهر أنّه بالقياس إلى نفوس متعدّدة. فحيث اعتبر بالقياس إلى كلّ نفس من النفوس الأرضيّة فعلا خاصّا ، اعتبر تعدّد الأفاعيل ؛ وهذا كما يقال : أفاعيل الطبائع ، والحال أنّ فعل الطبيعة إنّما هو على وتيرة واحدة. وكيف يمكن اعتبار التعدّد والجمعيّة بالقياس إلى نفس واحدة ، والحال أنّه على هذا يلزم أن يكون قوله : «ليست على وتيرة واحدة» مستدركا لكون قوله : «أفاعيل» الدالّ بصيغة الجمع على التعدّد مغنيا عنه ، ولكان حقّ العبارة أن يقول : إنّ كلّ ما يكون مبدأ لصدور أفاعيل ، فإنّا نسمّيه نفسا ؛ سواء كان عادما للإرادة أو واجدا لها.
وأيضا على ما ذكرته يلزم خروج النفس الإنسانيّة من حيث فعلها الخاصّ بها ، إذا قلنا بوحدته وكونه على وتيرة واحدة ، والحال أنّ المقصود تعميم العبارة بحيث تشملها أيضا مطلقا. فتدبّر.
ثمّ إنّه ربما يظنّ أن ما عبّر به عن النفس الأرضيّة وهو قوله : «ما يكون مبدأ لصدور أفاعيل ليست على وتيرة واحدة عادمة للإرادة» كما أنّه متناول للنفس الأرضيّة بأفرادها وأقسامها ، كذلك هو متناول للنفس الفلكيّة أيضا ، إذ هي عندهم على القول بتعلّق النفس بكلّ كرة من الكرات وبكلّ كوكب من الكواكب ، تكون مبدأ لصدور فعل واحد على وتيرة واحدة مع الإرادة. وعلى القول بتعلّقها بالفلك الكلّيّ وكون الكرات الجزئيّة والكواكب المختلفة في الأفاعيل كالآلات ، تكون مبدأ لصدور الأفاعيل على وتائر مختلفة ومع الإرادة. وعلى التقديرين ، فتندرج النفس الفلكيّة أيضا في معنى هذه العبارة ، ويكون هذا التعريف شاملا للنفس الأرضيّة والفلكيّة جميعا.
فعلى هذا فيرد على الشيخ أنّه لا يخفى أنّه في هذا الفصل بصدد إثبات النفس الأرضيّة وتحديدها ، دون الفلكيّة ، فما باله قد عبّر عنها في هذا التعبير بما يتناول الفلكيّة