في الكلام في آلات النّفس والأعضاء التي
يتعلّق بها القوّة الرّئيسة من النّفس
وحيث انتهى الكلام إلى هذا المقام ، فلنتكلّم في آلات النّفس والأعضاء التي يتعلّق بها القوّة الرئيسة من النّفس ، وحيث كان تفصيل ذلك وتحقيقه على الوجه الأتمّ مذكورا في الشّفاء ، فلنكتف فيه بنقل ما قال هو فيه ، فنقول :
قال الشّيخ في «الشّفاء» (١) : «إنّه قد أفرط النّاس في أمر الأعضاء التي يتعلّق (٢) بها القوّة الرّئيسة من النّفس إفراطا في جنبي (٣) اللّجاج ، وركنوا إلى تعسّف كثير وتعصّب شديد ، مال إليه كلّ واحد من الفريقين حتّى خرج من الحقّ ، وأكثرهم (٤) من جعل النّفس ذاتا واحدة وقضى مع ذلك أنّ الأعضاء الرّئيسة كثيرة ، فإنّه لما تخالف (٥) فيه الفلاسفة القائلة بتكثّر أجزاء النّفس ، ووافق من قال بوحدانيّتها ، لم يعلم أنّه يلزمه أن يجعل العضو الرئيس واحدا ، وهو الذي يكون به أوّل تعلّق النّفس ، وأمّا المكثّرون لأجزاء النّفس ، فما عليهم أن يجعلوا لكلّ جزء (٦) معدنا مخصوصا ومركزا مفردا ، فنقول : أوّلا أنّ القوى النّفسانيّة البدنيّة ، مطيّتها الأولى جسم لطيف نافذ في المنافذ روحانيّ ، وأنّ ذلك الجسم هو الرّوح ، وأنّه لو لا أنّ قوى النّفس النّاطقة المتعلّقة بالجسم ينفذ (٧) محمولة في جسم ، لما كان سدّ المسالك حابسا لنفوذ القوى المحرّكة والحسّاسة والمتخيّلة أيضا ، وهو (٨) أيضا حابس ظاهر الحبس عند من جرّب التّجارب الطبيّة ، وهذا الجسم نسبته إلى لطافة الأخلاط وبخاريّتها نسبة الأعضاء إلى كثافة الأخلاط ، وله مزاج مخصوص ، ومزاجه أيضا (٩) يتغيّر بحسب الحاجة إلى اختلاف يقع (١٠) فيصير به حاملا لقوى مختلفة ، وأنّه ليس (١١) يصحّ المزاج الذي منه يغضب للمزاج الذي معه يشتهي (١٢) ، ولا المزاج الذي يصلح للرّوح الباصرة (١٣) هو بعينه الذي يصلح للرّوح المحرّك. ولو كان المزاج واحدا ، لكانت (١٤) المستقرّة
__________________
(١) الشفاء ـ الطبيعيّات ٢ / ٢٣٢ ، الفصل الثامن من المقالة الخامسة.
(٢) في المصدر : تتعلّق ...
(٣) جنبتي ...
(٤) وأكثرهم غلطا من ...
(٥) لمّا خالف ...
(٦) جزء منه معدنا ...
(٧) تنفذ ...
(٨) وهو حابس ...
(٩) يتغيّر أيضا ...
(١٠) يقع فيه ليصير به ...
(١١) فإنّه ليس يصلح المزاج ...
(١٢) يشتهي أو يحسّ ...
(١٣) الباصر ...
(١٤) لكانت القوى المستقرّة.