البحث
البحث في منهج الرّشاد في معرفة المعاد
يقبل الاشتعال منه نارا ولا إضاءته ولا (١) إنارته ، ولكن وضعا يقبل تسخينه لم يقبل غير (٢) فإن كان وضعه وضعا يقبل تسخينه ، ومع ذلك هو مكشوف له أو مستشف أو على نسبة إليه يستنير بها عنه استنارة قويّة ، فإنّه يسخن عنه ، ويستضيء معا ، ويكون الضّوء الواقع فيه منه هو مبدأ أيضا مع ذلك المفارق لتسخينه ، فإنّ الشّمس إنّما تسخّن بالشّعاع.
ثمّ إن كان الاستعداد أشدّ ، وكان (٣) هناك ما من شأنه أن (٤) تشتعل عن المؤثّر الذي من شأنه أن يحرق بقوّته أو شعاعه اشتعل ، فحدثت الشعلة جرما شبيها بالمفارق من وجه ، ويكون تلك الشعلة أيضا مع المفارق علّة للتنوير والتسخين معا ، حتّى لو بقيت وحدها لاستتمّ أمر التنوير والتسخين ، ومع هذا ، فقد كان يمكن أن يوجد التسخين وحده (٥) ، والتسخين والتنوير وحدهما ، ولم يكن المتأخّر منهما مبدأ يفيض عنه المتقدّم ، وكان إذا اجتمعت الجملة يصير حينئذ كلّ ما فرض متأخّرا ، مبدأ أيضا للمتقدّم وفائضا عنه المتقدّم ، وهكذا (٦) فليتصوّر الحال في القوى النّفسانيّة». ـ انتهى كلامه ـ.
أقول : وهذا الذي نقلنا منه لا يخفى أنّه واف بدفع احتجاج القائلين بتكثّر النّفس ، كاف في بيان كيفيّة إمكان أن يكون تلك النّفوس المتعدّدة التي هي قوى متغايرة منسوبة إلى ذات واحدة هي نفس الإنسانيّة ، وأن يكون تلك الذات مجمعا لتلك القوى والنّفوس ، وفي ذكر التمثيل اللائق بهذا المقام ، وقد عرفت أيضا ـ ممّا ذكرنا في الأبواب السّالفة ـ أنّ السمعيّات الظّاهرة في تعدّد النفوس يمكن أن تأوّل بالحمل على تعدّد قوى النّفس الإنسانيّة التي هي ذات واحدة على تكثّر مراتب كمالاتها ، فتذكّر.
شكّ مع حلّه
وقد بقي هنا شكّ ينبغي التّعرّض لرفعه ، وهو أنّه إذا كان المتصرّف في البدن المدبّر له ذاتا واحدة ، هي النّفس الإنسانيّة وهي مجمع القوى ، يجب أن يكون تلك الذات مبدأ لجميع تلك الأفعال المنسوبة إلى تلك القوى المتخالفة ، وإن كانت مبدئيّتها لبعضها
__________________
(١) في المصدر : وإنارته ...
(٢) غير ذلك ...
(٣) وهناك ...
(٤) أن تشتعل ...
(٥) أو التسخين ...
(٦) فهكذا.