لمزاج ذلك الرّوح واستعداده ، على ما ستقف عليه في ذكر الحيوان ، حتّى لا يكون على العضو الذي هو المبدأ ثقل ، ولذلك خلقت العصب للدّماغ والأوردة للكبد ، وكان (١) الدّماغ مبدأين أوّلين للحسّ والحركة والتغذية ، وكانتا (٢) مبدأين ثانيين. وإذ فاض من القلب قوّة التكوين والتّخليق إلى الدّماغ ، فيكون (٣) الدّماغ ، فلا كثير بأس أن (٤) يكون الدّماغ يرسل من نفسه آلة يستمدّ بها الحسّ والحركة من القلب (٥) ، فلا يجب من القلب أو يكون القلب أن ينفذ إليه الآلة التي بتوسّطها ينفذ إليه الحسّ والحركة. فلا يجب أن يقع من المضايقة في أمر خلقة العصب أنّ مبدأها من القلب أو (٦) الدّماغ ما هو ذا يقع ، بل (٧) يسلّم أنّه من الدّماغ ويستمدّ من القلب ، كما أنّ الكبد يرسل إلى المعدة ما يستمدّ منها فيه ، ولها أيضا عروق تمدّ غيرها بها. فليس يجب أن يكون العضو ـ الذي هو مبدأ قوّة فيه أيضا ـ أوّل (٨) تلك القوّة ، وأن يكون آلة لأفعال تلك القوّة ، بل يجوز أن (٩) يكون الآلة خلقت للاستمداد من شيء آخر ، وأن تكون (١٠) إنّما تستمدّ بعد تخلّقها ، حتّى يكون الدّماغ أوّل ما يخلق (١١) لم يكن مبدأ للحسّ والحركة بالفعل ، بل مستعدّا لأن يصير مبدأ (١٢) للأعضاء التي بعده إذا استمدّ من غيره بعد أن يتخلّق (١٣) آلة الاستمداد من غيره له ، فلمّا تخلّق منه عصب ذاهب إلى القلب ، استمدّ الحسّ والحركة منه حينئذ ، ويمكن أن يكون مع تخلّق هذا المنفذ بلا تأخّر ، فلا يكون (١٤) في نفوذه عنه إلى القلب حجّة أيضا ، ولا شبه حجّة ، بل كما تخلّق الدّماغ تخلّق (١٥) معه عن مادّته شيء نافذ إلى القلب غريب عن القلب يستمدّ (١٦) منه الحسّ والحركة. على أنّ نبات هذا العصب من الدّماغ ، ومصيره منه إلى القلب ليس شيئا يظهر الظّهور الذي يظنّه مدّعي نبات العصب الذي (١٧) من الدّماغ أو القلب من الدّماغ إلى القلب ، لا من القلب إلى الدّماغ ، على ما سنوضّحه في موضعه من كلامنا في طبائع الحيوان (١٨).
ومع ذلك فلنعد إلى معاملة أخرى ، فنقول : إنّه ليس بمستحيل أن يكون مبدأ وجوده (١٩)
__________________
(١) في المصدر : كان الدماغ ...
(٢) أو كانا مبدأين ...
(٣) فتكوّن ...
(٤) بأن يكون ...
(٥) من القلب ، أو يكون القلب ينفذ ...
(٦) أو من الدماغ ...
(٧) بل نسلّم ...
(٨) أول أفعال تلك ...
(٩) أن تكون ...
(١٠) وأن تكون إنّما تستمدّ ...
(١١) ما تخلق ...
(١٢) مبدأ ما للأعضاء ...
(١٣) أن تتخلّق ...
(١٤) فلا تكون ...
(١٥) يخلق معه من مادّته ...
(١٦) استعدّ منه ...
(١٧) الذي بين الدماغ والقلب ، من الدماغ ...
(١٨) الحيوان ، ونطول الكلام فيه طولا يشفي ويقنع ...
(١٩) وجود قوّة.