وأقول : لا يخفى عليك أنّ مراد الشيخ بقوله هاهنا : «إنّ النفس يصحّ أن يقال لها بالقياس إلى ما يصدر عنها من الأفعال : قوّة ، وكذلك يجوز أن يقال لها بالقياس إلى ما تقبلها من الصور المحسوسة والمعقولة على معنى آخر : قوّة» كما هو ظاهر هذا الكلام ، وكذا المصرّح به فيما بعد في بيان أولويّة إطلاق الكمال على النفس من إطلاق القوة عليها ، أنّه يصحّ أن يقال لها بالقياس إلى ما يصدر عنها من الأفعال ، بالمعنى المقابل للانفعال كالتحريكات : قوّة بمعنى الفعل بهذا المعنى ، وكذلك يجوز أن يقال لها بالقياس إلى ما تقبلها من الصّور المحسوسة والمعقولة ، أي بالقياس إلى ما يصدر عنها من الانفعالات ، كالاحساسات والإدراكات الجزئيّة والكلّيّة : قوّة بمعنى آخر ، أي قوّة بمعنى مبدأ الانفعال.
ولا يخفى أيضا أنّ ما ذكره أخيرا في بيان الأولويّة أنّ إطلاق القوّة عليها بمعنى مبدأ الفعل مثلا ، ليس أولى من إطلاقها عليها بمعنى مبدأ الانفعال ؛ وكذا بالعكس. فحينئذ لو اطلق لفظة القوّة على النفس في تحديدها ، فإمّا أن يراد بها أحد المعنيين دون الآخر ، فيرد عليه ـ مع ما ذكر من عدم أولويّة إرادة أحد المعنيين دون الآخر ـ أنّه لا يتضمّن الدلالة على ذات النفس من حيث هي نفس مطلقا ، بل من جهة دون اخرى ، أي من جهة كونها مبدأ الفعل مثلا ، دون جهة كونها مبدأ الانفعال ، أو بالعكس ، وإمّا أن يراد بها المعنيان جميعا ، فيرد عليه أنّه يكون باشتراك الاسم ؛ حيث إنّ لفظة القوّة مشترك بين معنيين اشتراكا لفظيّا ، فيكون من قبيل ذكر الألفاظ المشتركة في التحديد. وقد بيّن في الكتب المنطقيّة أنّ ذكر الألفاظ المشتركة في التحديدات ، وكذا الدلالة على المحدود من وجه دون آخر ، غير جيّد ولا صواب.
وهذا بخلاف إطلاق الكمال على النفس. حيث إنّ معنى الكمال كما بيّن المراد به ، أي ما به يكمل ويتمّ وجود الشيء شيئا بالفعل ، كوجود النبات نباتا بالفعل ، والحيوان حيوانا بالفعل ، وان كان مشتركا أيضا بين المعنيين ، لكن اشتراكا معنويّا ، ومع ذلك جامع لجميع أنواع النفس ؛ فإنّ النفس من جهة القوّة التي بها يستكمل إدراك الحيوان ـ أي هي