يظهر (١) بعد ـ جوهر واحد ، له نسبة وقياس إلى جنبتين ؛ جنبة هي تحته ، وجنبة هي فوقه ، وله بحسب كلّ جنبة قوّة بها ينتظم (٢) العلاقة بينه وبين تلك الجنبة.
فهذه القوّة العمليّة هي القوّة التي (٣) لأجل العلاقة إلى الجنبة التي (٤) دونها وهو البدن وسياسته. وأمّا القوّة النظريّة ، فهي القوّة (٥) التي لأجل العلاقة إلى الجنبة التي فوقها (٦) ، لتنفعل ويستفيد منها وتقبل (٧) عنها ، فكأن للنّفس منّا وجهين : وجه إلى البدن ، ويجب أن يكون هذا الوجه غير قابل البتّة أثرا من جنس مقتضى طبيعة البدن ، ووجه إلى المبادي العالية ، ويجب أن يكون هذا الوجه دائم القبول عمّا هناك والتّأثّر منه. فمن الجهة السفليّة يتولّد (٨) الاخلاق ، ومن الجهة الفوقانيّة (٩) يتولّد العلوم ، فهذه هي القوّة العمليّة.
وأمّا القوّة النظريّة ، فهي قوّة من شأنها أن تنطبع بالصّور الكلّيّة المجرّدة عن المادّة ، فإن كانت مجرّدة بذاتها ، فأخذها بصورتها في نفسها أسهل ، وإن لم تكن فإنّها تصير مجرّدة بتجريدها إيّاها ، حتّى لا يبقى فيها عن (١٠) علائق المادّة شيء ، وسنوضح كيفيّة هذا من بعد.
وهذه القوّة النظريّة لها إلى هذه (١١) الصّورة نسب مختلفة ، وذلك لأنّ الشيء الذي من شأنه أن يقبل شيئا قد يكون بالقوّة قابلا له ، وقد يكون بالفعل قابلا له. والقوّة تقال على (١٢) معان ثلاثة بالتّقديم والتّأخير :
فيقال قوّة للاستعداد المطلق الذي لا يكون خرج منه بالفعل شيء ، ولا أيضا حصل ما به يخرج ، كقوّة الطفل على الكتابة.
ويقال قوّة لهذا الاستعداد إذا كان لم يحصل للشيء إلّا ما يمكنه به أن يتوصّل إلى اكتساب الفعل بلا واسطة ، كقوّة الصبيّ الذي ترعرع ، وعرف الدواة والقلم وبسائط الحروف على الكتابة.
__________________
(١) في المصدر : يظهر من بعد ...
(٢) تنتظم ...
(٣) التي له لأجل ...
(٤) التي دونه ...
(٥) التي له لأجل ...
(٦) التي فوقها ، لينفعل ...
(٧) ويقبل عنها ...
(٨) تتولّد الأخلاق ...
(٩) تتولّد العلوم ...
(١٠) فيها من علائق ...
(١١) هذه الصور على ...
(١٢) ثلاثة معان.