جوازه بحسب الواقع ، وإن اريد به امتناع التصريح بعدمه في ظاهر نظر العقل فالملازمة ممنوعة، لإمكان أن يكون هناك ملازمة بين الأمرين ، ويكون تجويز العقل للتصريح بنفيه مبنيّا على جهله بالحال.
وثانيا : بالمنع من جواز تصريح الآمر بجواز تركها ، كيف وقد نصّ المصنّف بعد ذلك بعدم جواز تصريح الشارع بجواز تركها؟ ومعلوم أنّ المانع من ذلك هو العقل ، إذ لا نصّ يدلّ عليه ، فلا خصوصيّة حينئذ لذلك بتصريح الشارع بل يعمّ غيره ، فبين كلاميه تدافع بيّن.
والتحقيق أن يقال : إنّه إن اريد بجواز تصريح الآمر بجواز تركها تصريحه بالجواز بملاحظة ذاتها فمسلّم ولا يفيد ذلك المدّعى ، إذ أقصى الأمر أن يفيد ذلك عدم وجوبها لنفسها ولا كلام فيه ، وإن اريد جواز التصريح بجواز تركها ولو بملاحظة توقّف الواجب عليها وإدّاء تركها إلى تركه فهو ممنوع ، بل من البيّن خلافه والاعتبار الصحيح شاهد عليه.
وقد أجاب عنه بعض الأفاضل بمنع الملازمة ، إذ جواز تصريح الآمر بخلافه لا يمنع من اقتضائه وجوبها حين الإطلاق ، كما أنّ إفادة الظواهر ثبوت مداليلها لا ينافي التصريح بخلافه لقيام القرائن الظنّيّة اللفظيّة أو غيرها عليه.
وبالجملة أنّ استلزام إيجاب الشيء وجوب مقدّمته ظنّيّ فلا ينافي جواز التصريح بخلافه ، ولا يخفى ما فيه بعد ملاحظة ما قرّرناه ، كيف ولو كان الاقتضاء المذكور ظنّيّا لم ينهض حجّة في المقام؟ لعدم اندراجه في الدلالات اللفظيّة الّتي يكتفى فيها بمجرّد المظنّة ، والظنون المستندة إلى الوجوه العقليّة لا عبرة بها في استفادة الأحكام الشرعيّة.
ثمّ إنّ الدليل المذكور هو حجّة القائل بعدم وجوب المقدّمة مطلقا ، وكان المصنّف يفصّل في تجويز العقل تصريح الآمر بتجويز ترك المقدّمة بين المقدّمة السببّية وغيرها حتّى يصحّ جعله دليلا على نفي الوجوب في غير الأسباب ، ومن ذلك يظهر وجه آخر لضعف الاحتجاج المذكور ، إذ لو صحّ حكم العقل بذلك