ومنها : أنّه إذا كان حصول الشيء على بعض التقادير ممكنا وعلى بعضها ممتنعا فالآمر الطالب لذلك الشيء العالم بحاله إمّا أن يريد حصوله على جميع تلك التقادير أو على التقدير الّذي يمكن فيه حصول ذلك الشيء ، لا سبيل إلى الأوّل للزوم التكليف بالمحال فتعيّن الثاني.
إذا تمهّد ذلك فنقول : إنّه لو لم يجب المقدّمة لم يستحقّ تارك الفعل للعقاب أصلا ، وبطلان التالي ظاهر ، أمّا الملازمة فلأنّه إمّا أن يريد الإتيان بذي المقدّمة على كلّ من تقديري وجود المقدّمة وعدمها أو على تقدير وجودها والأوّل فاسد لما عرفت فتعين الثاني وحينئذ يكون وجوب الفعل مقيّدا بوجود مقدّمته فلا يكون تاركه بترك شيء من مقدّماته مستحقّا للعقاب ، إذ المفروض عدم وجوب المقدّمة وعدم وجوب الفعل مع عدمها.
وهذا الاستدلال موهون جدّا.
أمّا أوّلا : فلأنّه لو تمّ لقضى بتقييد وجوب الواجب بوجود مقدّمته وهو مع كونه فاسدا قطعا ومخالفا لما هو المفروض في المقام من اختصاص المبحث بمقدّمات الواجب المطلق غير مفيد للمقصود ، إذ مجرّد القول بوجوب المقدّمة لا يرفع الفساد المذكور ، إذ غاية الأمر حينئذ استحقاقه العقوبة على ترك المقدّمة ، ولا يقضي ذلك باستحقاقه العقوبة على ترك ذي المقدّمة حتّى يرتفع الفساد على أنّ ذلك إنّما يقتضي وجوب المقدّمة لنفسها لا لغيرها ، ففيه فساد من جهة اخرى أيضا.
وأمّا ثانيا : فلأنّا نختار تعلّق الأمر بذي المقدّمة على كلّ من تقديري وجود المقدّمة وعدمها وما ذكر من أنّ ذلك من قبيل طلب الشيء على تقدير إمكانه واستحالته فاسد فإنّ الشيء في حال انتفاء مقدّمته لا يكون ممتنعا لإمكان الإتيان حينئذ بمقدّمته فيمكن الإتيان بالواجب.
نعم لو تعلّق الطلب به بشرط عدم مقدّمته أو في حال إمكان مقدّمته وامتناعه لزم الفساد المذكور لكن من المعلوم أنّ الأمر إنّما يتعلّق بالفعل مطلقا مع إمكان مقدّمته لا امتناعه.