ومنها : أنّا إذا تتبّعنا موارد الشرع وجدنا حكم الشارع بوجوب كثير من المقدّمات ، ألا ترى أنّه حكم بمنع نكاح زوجته المشتبهة بالأجنبيّة ولبس أحد الثوبين المشتبهين بالنجس واستعمال أحد الإنائين المشتبهين بالنجس إلى غير ذلك ، فإنّه لم يمنع من ذلك إلّا لتوقّف حصول الاجتناب من الحرام على ذلك أو لتوقّف العلم بالاجتناب عليه.
وأنت خبير بأنّ أقصى ما يفيده الاستقراء الظنّ بالحكم ولا حجّية في مطلق الظنّ بالنسبة إلى الفروع فكيف بالاصول؟ على أنّه قد يناقش في حصول الاستقراء في المقام بحيث يعلم ثبوت الحكم بالنسبة إلى الغالب حتّى يمكن تحصيل الظنّ بإلحاق الباقي بها لكون الظنّ يلحق المجهول بالأعمّ الأغلب.
ومنها : أنّ ضرورة العقل قاضية بالتناقض بين القول بأنّي أطلب منك الشيء الفلاني على سبيل الحتم والجزم ، ولا الزمك بمقدّمته المتوقّفة عليه الّذي لا بدّ منه في الوصول إلى ذلك بوجه من الوجوه ولو من جهة إيصاله إلى ذلك الفعل وأدائه إليه ، بل أنت بالخيار عندي في فعله وتركه ولو من جهة الإيصال إلى ما هو مطلوبي.
كيف ومن المعلوم بالضرورة أنّ المنع من الشيء وتحريمه والإذن في السبب الموصل إليه ـ كالمنع من قتل زيد والتهديد عليه والإذن في ضرب عنقه والحكم بجوازه ـ يعدّ عرفا من الهذيان؟ لوضوح التناقض بينهما بضرورة الوجدان! والقول بالواسطة بين المنع من الشيء والإذن فيه من العاقل المتفطّن العالم بحقيقة الأمر حتّى يقال في المقام بعدم جواز الإذن فيه وإن لم يكن ممنوعا منه أيضا فاسد ، لوضوح أنّ عدم المنع من الفعل مع التفطّن له إذن في الإتيان به بالنسبة إلى من لا يعقل في شأنه التردّد في الأمر ولو سلّم ذلك فهو في حكم العقل ، وحينئذ فإمّا أن يكون ممنوعا منه أو لا ، والأوّل يثبت المدّعى والثاني قاض بجواز الترك.
والفرق بين حكم العقل والشرع وجواز الانفكاك بين الحكمين بيّن الفساد حسب ما مرّ ، وحينئذ فكيف يعقل جواز ترك المقدّمة مع المنع من ترك ذي المقدّمة وعدم جوازه؟