ومنها : أنّه لو لم يجب المقدّمة لصحّ الإتيان بالفعل من دونها ، والتالي واضح الفساد لامتناع وجود الموقوف بدون ما يتوقّف عليه ، أمّا الملازمة فلأنّ ما لا يجب الإتيان به يجوز تركه وجواز ترك شيء عند الأمر الموجب لإيجاد شيء قاض بجواز الانفكاك بين الشيئين ، إذ لا يعقل جواز ترك الشيء مع عدم جواز ترك ما لا يمكن انفكاكه عنه.
ومنها : أنّ المقدّمة لا بدّ منها في إيجاد الفعل فيمتنع تركها بالنسبة إلى فاعل ذلك الفعل ، فالأمر المتعلّق بذلك الفعل القاضي بالمنع من تركه قاض بالمنع من ترك الآخر وما يمنع من تركه يحكم بوجوبه.
والجواب عنهما ـ بعد ما بيّناه ـ ظاهر فإنّ أقصى ما يستفاد منهما هو وجوب المقدّمة بالعرض والمجاز تبعا لوجوب ذيها على الوجه الّذي قرّرنا ، نظرا إلى عدم إمكان انفكاكه عنها وهو غير المدّعى كما مرّت الإشارة إليه مرارا. هذا.
ويمكن الاستناد في وجوب المقدّمة إلى وجه آخر بأن يقال : إنّ من تصوّر معنى المقدّمة وتصوّر مفاد الوجوب الغيري على ما ينبغي وتصوّر النسبة بين الأمرين جزم باللزوم بينهما من غير تشكيك فيكون الوجوب على الوجه المذكور من لوازمه البيّنة بالمعنى الأعمّ من غير أن يتوقّف إثباته على الاستدلال.
وقد نبّه على ذلك العلّامة الدواني ، وربما يلوح من كلام المحقّق الطوسي كما مرّت الإشارة إليه. وليس المقصود بذلك وجوبها بالعرض والمجاز كما زعمه بعض الأعلام ، إذ ليس ذلك اتّصافا لها بالوجوب على الحقيقة. وقضيّة ما ذكر من الوجه هو وجوب المقدّمة [على وجه الحقيقة](١) على أن يكون الوجوب صفة ثابتة لها وان كان غيريّا لا وجوبها بوجوب غيرها ، كما هو الحال في اللوازم ، ولذا يجد العقل فرقا بيّنا بين لوازم الواجب ولواحقه من الامور التابعة لوجوده وما يتوقّف عليه وجود الواجب ولا يمكن حصوله بدونه. والوجوب المحكوم به في المقام إنّما هو من جهة التوقّف دون مجرّد الاستلزام ، كما لا يخفى على المتأمّل.
__________________
(١) لم يرد في «ق».