تفويت المكلّف لها فيجب عليه ذلك ليتمكّن من إتيانه بذلك الغير أمكن القول بوجوبها قبل وجوب ذيها لا من جهة الأمر الّذي يتعلّق بذيها ، بل بأمر أصليّ متعلّق بها ، وحينئذ فلا يكون مطلوبيّة الفعل حاصلة من مطلوبيّة غيره آتية من قبله وإنّما هي حاصلة من الطلب المستقلّ المتعلّق به ؛ غاية الأمر أن تكون الحكمة الباعثة على تعلّق الطلب به تحصيل الفائدة المترتّبة على فعل آخر يكون الفعل المذكور موصلا إليه إن بقي المكلّف على حال يصحّ تعلّق ذلك التكليف به عند حضور وقته ، وقضيّة ذلك استحقاق المكلّف للعقاب عند تركه له ، لمخالفته للأمر المتعلّق به وإن لم يكن تفويته للواجب المشروط عصيانا موجبا للعقاب ، نظرا إلى أنّ تفويته له قبل تعلّق الوجوب به فقد صار المكلّف على حال لا يتعلّق ذلك التكليف به حتّى يكون عاصيا بتركه ، ولا فرق حينئذ بين ما إذا علم وجوب الفعل الآخر في وقته أو ظنّه أو احتمله.
فظهر بما قرّرنا : أنّ الاستناد في وجوب المقدّمة قبل وجوب ذيها إلى الأمر المتعلّق بذيها حال حضور وقته غير متّجه على شيء من الوجهين المذكورين ، وأمّا وجوبها لأجل الغير بأمر مستقلّ فلا يصحّ على الوجه الأوّل ولا مانع منه على الوجه الثاني لكن عدّ ذلك من الوجوب الغيري محلّ تأمّل ، بل لا يبعد كونه نحوا من الوجوب النفسي ، لما عرفت من ترتّب استحقاق العقاب على تركه من غير استحقاق للعقوبة على ترك الآخر.
والوجه للقول الآخر إطلاق ما دلّ على وجوب مقدّمة الواجب ولا مانع من كون الفعل واجبا لغيره ومع ذلك يكون واجبا قبل دخول وقت الغير إذا كان وجوب الغاية في وقتها معلوما أو مظنونا ، ألا ترى أنّ قطع المسافة ليس واجبا لنفسه بل واجب للحجّ ، ومع ذلك لم يجب إيقاعه إلّا قبل زمان الحجّ وكذلك صحّة الصوم مشروط بالاغتسال من الجنابة قبل الفجر عند الأكثر ، وما لا يتمّ الواجب المطلق إلّا به فهو واجب ، فيكون الغسل واجبا للصوم قبل دخول وقته.
وضعفه ظاهر ممّا قرّرنا ، لوضوح أنّ القاضي بوجوب المقدّمة إنّما هو وجوب ذي المقدّمة فمع عدم حصوله كيف يعقل حصول ما يلزمه ويتفرّع عليه؟