والقول بكون العلم بوجوبه في وقته أو الظنّ به كافيا في ذلك قد عرفت وهنه. هذا إذا حمل كلام الجماعة على حكمهم بوجوب المقدّمة من جهة ما يتعلّق من الأمر بذيها ، كما هو الظاهر من كلامهم ، وإن أرادوا إمكان وجوبه بأمر من الخارج فقد عرفت أنّه لا مانع منه على الوجه الذي قرّرناه ولا يظنّ أنّ أحدا يخالف فيه.
وفصّل بعض الأفاضل في المقام بين مقدّمات الواجب المضيّق ممّا يعتبر حصولها قبله وغيرها فقال بوجوب الأوّل قبل وجوب ذيها ، لحكم العقل حينئذ بلزوم الإتيان بها ، فلو كانت المقدّمة من العبادات حكم بصحّتها حينئذ ، نظرا إلى تعلّق الأمر بها ، وكذلك الحال عنده في الواجب الموسّع إذا لم يسع الوقت لأدائه وأداء مقدّمته ، كما في مثال الحجّ ، فالمناط في حكم العقل بالوجوب هو ما إذا علم المكلّف أو ظنّ أنّه إن لم يأت بالمقدّمة قبل وجوب ذيها يفوته الواجب في وقته وأمّا في غير ذلك فلا مانع من تعلّق الأمر بالمقدّمة من الخارج ، وأمّا مجرّد الأمر بذيها فلا دلالة فيه على وجوب المقدّمة لا عقلا ولا شرعا.
نعم لو أتى بالمقدّمة قبل وجوب ذيها كان مجزيا إلّا إذا كانت عبادة فيشكل الحال لتوقّفها على الأمر المفقود في المقام والفاضل المذكور ممن لا يقول بوجوب المقدّمة ، فكان قوله بانتفاء الدلالة في المقام من جهة عدم ذهابه إلى وجوب المقدّمة ، وحينئذ فيشكل الحال في حكمه بالوجوب مع الضيق إلّا أن يفصل في وجوب المقدّمة بين الوجهين ، نظرا إلى ادّعائه إدراك العقل لوجوبها في الصورة الاولى دون الثانية ، وحينئذ فلا يكون ما ذكره تفصيلا في هذه المسألة وهو تفصيل غريب في وجوب المقدّمة لا يعلم ذهاب أحد إليه ولا وجه له كما لا يخفى ؛ ومع الغضّ عنه فكما يقول بحكم العقل بوجوب المقدّمة هناك على وجه التضييق فليقل بحكمه بالوجوب في الباقي على وجه التوسعة ، إذ لا فارق بين المقامين فيما سوى الضيق والتوسعة ، والحقّ أنّ حكم العقل منفي في المقامين.
وتحقيق المقام : أنّ الواجب إمّا أن يكون موقّتا أو غير موقّت ، وعلى التقديرين فإمّا أن يكون مضيّقا أو غير مضيّق ، وعلى التقادير فإمّا أن يكون الوقت