والحال في التخيير بين الأقل والأكثر يدور بين وجوه :
أحدها : أنّه يؤول الحال فيه إلى الحكم بوجوب الأقلّ واستحباب الأكثر ، لكون القدر الزائد مطلوبا على وجه يجوز تركه ، بخلاف الأقلّ ، لعدم جواز تركه على أيّ حال ، فلا تخيير في الحقيقة.
ثانيها : أن يكون التخيير فيه على نحو غيره ويكون تعيين وجوب الأقلّ أو الأكثر منوطا بقصد الفاعل ، فإن نوى الإتيان بالأقلّ وشرع فيه كان هو الواجب ، وإن نوى الأكثر وشرع فيه على الوجه المذكور تعيّن عليه ولم يجز الاقتصار على الأقلّ.
ثالثها : أن يقال أيضا بكون التخيير فيه على نحو التخيير الحاصل بين ساير الأفعال من غير أن يتعيّن عليه الأقلّ أو الأكثر بالنيّة ، فإن اقتصر على الأقلّ أجزأه وإن نوى الإتيان بالأكثر ، وإن أتى بالأكثر كان أيضا واجبا ؛ والاجتزاء بالأقلّ وجواز ترك الزائد لا يقضي باستحباب الزائد ، نظرا إلى جواز تركه ، فإنّ مجرّد جواز الترك لا يقضي بالاستحباب ، فإنّ جواز الترك إلى بدل ـ كما في المقام ـ لا ينافي الوجوب ، بل حاصل في الواجبات المخيّرة وإنّما ينافيه جواز الترك مطلقا ، فلا داعي إلى التزام البناء على الاستحباب في القدر الزائد مع منافاته لظاهر الأمر.
والحاصل : أنّه إن أتى بالأكثر كان واجبا ، وإن اقتصر على الأقلّ وترك ما زاد عليه كان كافيا أيضا ، لقيامه مقام الزائد على مقتضى التخيير.
فإن قلت : إذا كان المكلّف بمقتضى الأمر مخيّرا بين الأقلّ والأكثر وأتى بالأقلّ كان ذلك على مقتضى الأمر مجزيا مسقطا للتكليف ، للإتيان بأحد فردي المخيّر ، فكيف يتصوّر مع ذلك بقاء الوجوب حتّى يقوم بالأكثر لو أتى بالزيادة؟!
قلت : قيام الوجوب بالأقلّ مبنيّ على عدم الإتيان بالأكثر ، فإن أتى بالأكثر قام الوجوب بالجميع ، وإن اقتصر على الأقلّ قام الوجوب به ، ألا ترى أنّه لو قال : «يجب عليك ضرب زيد إمّا سوطا أو سوطين أو ثلاثة» فإن ضربه سوطا واقتصر عليه كان ذلك هو الواجب ، وان ضربه بعد ذلك سوطا آخر واقتصر عليهما قام