هذا ، وقد أورد على ما ذكره رحمهالله بوجوه :
أحدها : ما ذكره بعض الأفاضل من منع انحصار الوجه في صحّة العبادة في موافقة الأمر ، إذ هو من أحكام الوضع في العبادات والمعاملات ، فقد يكون الصحّة فيها من غير أمر ، كما هو الحال في المعاملات.
ووهنه واضح ، للفرق البيّن ووضوح قوام صحّة العبادة بالأمر ، فكيف يعقل صحّتها من دون كونها مطلوبة للشارع؟
ثانيها : ما ذكره الفاضل المذكور أيضا من : أنّ ذلك إنّما يتمّ في العبادات دون المعاملات.
وضعفه أيضا ظاهر ، إذ المقصود ممّا ذكره تفرّع الثمرة المترتّبة على القول بدلالة الأمر بالشيء على النهي عن ضدّه من فساد الضدّ على العنوان الّذي ذكره. ومن الواضح أنّ الترتّب على العنوان الأوّل إن تمّ فإنّما هو فساد الضدّ لو كان عبادة مزاحمة له دون المعاملة المزاحمة له ، لوضوح كون النهي المفروض على فرض حصوله في المقام غير دالّ على الفساد بالنسبة إلى المعاملة ، فكما أنّ العنوان الثاني لا يفيد الفساد بالنسبة إلى المعاملة فكذا العنوان الأوّل ، فلا وجه للإيراد.
نعم ، لو توهّم إفادة النهي المفروض فساد المعاملة ـ كما قد يستفاد من كلام المورد المذكور ـ لربّما صحّ الإيراد المذكور ، وكأنّه الوجه في إيراده ذلك ، إلّا أنّ ذلك فاسد جدّا ـ كما ستجيء الإشارة إليه في محلّه إن شاء الله ـ فلا يتّجه الإيراد أصلا.
ثالثها : أنّ الأمر بالشيء إنّما يقتضي عدم الأمر بضدّه إذا كان الضدّ مضيّقا أيضا ، وامّا إذا كان موسّعا ـ كما هو المفروض ـ فلا ، إذ لا استحالة في اجتماع الأمر المضيّق والأمر الموسّع ، لعدم المزاحمة بينهما ، إذ ليس مفاد وجوب الشيء على وجه التوسعة إلّا وجوبه في مجموع الوقت ؛ بأن لا يخلو عنه تمام الوقت ، ولو أتى به في أيّ جزء امتثل الأمر فلا يتعيّن عليه الإتيان به في وقت المضيّق حتّى