في الواقع ، تكون إحداهما تابعة للاخرى ، فنقول بمثل ذلك في المقام ، فإنّ الوجوب الحاصل هنا أيضا واحد يختلف الحال فيه بحسب الاعتبارين ، فهناك وجوب متعلّق (١) أصالة بكلّ من تلك الأفعال على وجه التخيير بينهما ، ويتبعه صحّة اتّصاف أحدها بالوجوب الحتمي التعييني ، من غير أن يكون هناك وجوبان وكذا الحال في اتّصاف الماهيّة بالوجوب التعييني فإنّه يتبعه وجوب أفرادها بالوجوب المتعلّق بالطبيعة ، لاتّحادها معها على سبيل التخيير بينها ، فوجوب الأفراد كذلك وجوب نفسي تبعي حاصل بعين وجوب الطبيعة ، حسبما قرّرنا.
فظهر بذلك : أنّ الحال في الواجبات التخييريّة على عكس الواجبات التعيينيّة ، وأنّ كلّ واحد من الخصال المخيّر فيها مطلوب للآمر بخصوصه وإن صدق معه تعلّق الوجوب بالقدر الجامع بينها.
كما أنّ القدر الجامع في الواجب التعييني مطلوب للآمر ، من غير أن تكون خصوصيّة الأفراد مطلوبة بذلك الطلب وإن صحّت نسبته إليها بالتبع ، كما عرفت.
وممّا ذكرنا ظهر : أنّ ما يتراءى من كون المفهوم عرفا من قول السيّد لعبده : «أكرم زيدا» أو «أطعم عمروا» أنّ الواجب مفهوم أحدهما ـ ولذا لو سأل العبد عمّا هو الواجب عليه صحّ عند العقلاء أن يجيبه السيّد بأنّ الواجب واحد منهما ، لا جميعهما ، ولا واحد معيّن منهما ـ مبنيّ على إرادة الواجب التعييني التابع في المقام للتخييري ، فإنّه لمّا كان الظاهر من الوجوب هو الوجوب التعييني صحّ الحكم بأنّ الواجب بمعناه الظاهر هو أحد الأمرين المذكورين ، لا جميعهما ، لوضوح عدم تعيّن الإتيان بهما. ولذا يصحّ الجواب أيضا بوجوب كلّ منهما على سبيل التخيير. وكان ما ذكرناه مقصود جماعة من علمائنا ، حيث حكموا في المقام بتعلّق الوجوب بأحدهما ، كما سنشير إليه.
وعلى ما ذكرنا فالتخيير يتعلّق بأصل الواجب ، لا في ما يتحقّق الواجب به ، كما عزي إلى جماعة.
__________________
(١) في (ف) : حيث إنّه وجوب يتعلّق.