وقد عرفت ممّا حكيناه عن العلّامة رحمهالله والسيّد العميدي ظهوره في اتّصاف الجميع بالوجوب ، بل كلام الأخير صريح في أداء الواجب حينئذ بالكلّ ، وهذه الوجوه كلّها ضعيفة ، وقد ظهر الوجه في ضعفها ممّا قرّرناه ، ولا حاجة إلى التفصيل.
والّذي تقتضيه القاعدة في المقام هو القول بأداء الواجب بواحد منها ، لما عرفت من أنّ قضيّة التكليف المفروض حصول الواجب بفعل واحد من تلك الأفعال ، ولا اقتضاء فيه لتأدّي ما يزيد على الواحد ، فلا وجه للقول بحصول الامتثال بالجميع ، غاية الأمر أن يدور ذلك الواحد بين تلك الأفعال الصادرة من المكلّف ، لصلوح كلّ منها أداء للواجب من غير فرق بينها ، فيكون تأدّي الواجب في المقام بواحد منها من غير أن يتعيّن ذلك بواحد معيّن منها ، نظرا إلى انتفاء ما يفيد تعيينه بحسب الواقع ، ولا يمنع ذلك من حصول البراءة به ، إذ لا يتوقّف أداء الواجب على تعيين ما يحصل به ، لوضوح الامتثال بحكم العرف ، بل العقل بأدائه على الوجه المفروض قطعا ، فإنّ مقصود الآمر حصول واحد من تلك الأفعال ، وقد حصل ذلك فلا وجه لعدم سقوط التكليف به.
فإن قلت : كما أنّ كلّا من الأفعال المفروضة متّصف بالوجوب التخييري وإن كان ما يمنع من تركه بالمرّة هو أحدها ـ كما مرّ ـ فكذا ينبغي أن يكون كلّ واحد من تلك الأفعال أداء للواجب التخييري ، ويكون كلّ منها متّصفا بالوجوب على الوجه المذكور ، وإن كان ما يمنع من تركه هو أحدها أيضا ، وهذا هو مقصود العلّامة رحمهالله من اتّصاف الجميع بالوجوب.
قلت : اتّصاف أفعال عديدة بالوجوب التخييري نظرا إلى تعلّق الخطاب بها على سبيل التخيير بينها ممّا لا مانع منه حسب ما عرفت. وأمّا اتّصاف أفعال متعدّدة بكونها أداء للواجب على وجه التخيير بينها فممّا لا يمكن تصويره ، إذ لا يتصوّر التخيير بين الامور الواقعة ، غاية الأمر أن يعتبر الترديد بدلا عن التخيير ، ومع ترديد الواجب بينها لا يمكن الحكم إلّا بوجوب أحدها ، إذ لا معنى لوجوب الكلّ على وجه الترديد.